[صورة لغاد في إعتاق نفسه]
أخيراً أيها الإخوة قد غدا الغادون، فمن غدا لإيباق نفسه؛ ومن غدا لإنقاذها.
وهذه صورة أختم بها هذه المحاضرة، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بها.
شاب من الشباب -ذكر أحداث هذه الحادثة الشيخ أحمد الطويل حفظه الله- كانت أحداثها في مدينة الرياض شاب بين الثلاثين والأربعين، ما عرف قدر نعمة الله عز وجل عليه، هذا الشباب ما ينام ليلة إلا على كأس خمر، أو على زنا، ويشاء الله -عز وجل- أن يتزوج، وتكون له ابنة، وظنوا أنه يوم تزوج أنه سيعود إلى الله -عز وجل- وسيرجع إلى الله -عز وجل- وسيكتفي بالحلال الذي بين يديه عن الحرام، لكنه كان يترك زوجته ويذهب يبحث عن الحرام، يقول: لا أنام ليلة من الليالي إلا على زنا، أو على كأس خمر، وكان أن تواعد مع أصحابه بعد أن جاءت له طفلة، فما كانت تراه أبداً، ترعرعت وهي لا تراه أبداً، بالليل مع قرناء السوء، وفي النهار في عمله، فلا تكاد تراه إلا قليلاً، وبلغت الخامسة من عمرها لا تعرف أباها إلا نادراً.
وما كان منه في ليلة من الليالي إلا أن تواعد مع قرناء السوء- الذين أفسدوا شباب الإسلام- تواعدوا على أن يجتمعوا على شرب الخمر، ويشاء الله عز وجل أن يتخلف عنهم، يوم أراد الله عز وجل أن يعتق نفسه، فتخلف عنهم قال: فذهبت أبحث عنهم يمنة ويسرة فما وجدتهم، ووالله ما كان ذلك حباً فيهم، ولكني أقول: كيف أبات ليلة من الليالي لا أشرب كأس خمر؟ ولمَّا لم يجدهم ذهب إلى قرين سوء آخر، لديه بضاعة من نوع آخر؛ وهي الأفلام الخليعة، ذهب وأخذ فيلماُ خليعاُ، يقول: يستحي إبليس من رؤية هذا الفيلم، قال: ورجعت إلى بيتي في الساعة الثانية ليلاً في ساعة يتنزل فيها الرب تبارك وتعالى فيقول: {هل من مستغفر فأغفر له؟} دموع الطائعين الذين يريدون إعتاق أنفسهم تهراق على وجوههم من خشية الله في تلك الساعة، والعاصون الموبقون لأنفسهم يرضعون المعاصي في تلك الساعة.
قال: دخلت البيت ونظرت لزوجتي وابنتي فإذا هما نائمتان، قال: فدخلت غرفة فيها هذا الجهاز جهاز الفيديو الذي لطالما أفسد بيوت المسلمين، ومع ذلك نشتريه بأموالنا ونجعله قنبلة موقوتة في بيوتنا، الله أعلم متى تنفجر قال: وأدخل وأضعه في الجهاز، وأبقى لأستمع وأرى، قال: وإذ بالباب يُفْتح، قال: دهشت وخفت، وقلت: من يدخل عليَّ في هذه الساعة؟ قال: ونظرت فإذا هي ابنتي الصغيرة، تنظر إليَّ بنظرات حادة، نظرات قاسية، وتقول: عيب عليك يا والدي اتق الله! قال: ثم رجعت، فدهشت وتحيرت وقلت: من أنطقها؟ من علمها؟ بقيت في حيرتي، قال: فقمت ونظرت إليها فإذا هي نائمة، وأمها نائمة.
قال: ورجعت وأقفلت هذا الجهاز، وخرجت أهيم في الشارع، وإذ بمنادي ينادي: الله أكبر الله أكبر - نداء يحرمه كثير من الغافلين في تلك اللحظة، نداء صلاة الفجر- يوم سمع هذا النداء قال: فاستجابت نفسي للذهاب إلى المسجد، قال: فذهبت، ودخلت دورات المياه، وتوضأت واغتسلت، ودخلت مع الإمام، وعندما سجدت انفجرت بالبكاء، قال: وانتهت الصلاة، فقال صاحبي الذي بجانبي: ما يبكيك يا أخي؟ قال: سبع سنوات ما سجدت فيها لله سجدة، بأي وجه ألاقي ربي - لا إله إلا الله! سبع سنوات لم يسجد فيها لله سجدة، بأي وجه يلاقي ربه- فعزاه هذا، وقال: الله تواب رحيم، عد إليه تجده تواباً رحيماً، خرج الناس من المسجد، وبقي في مكانه لم يخرج، تذكر ذنوبه، وتذكر فضائحه، وتذكر جرائمه.
وحان وقت الدوام، وذهب إلى دوامه، فدخل على زميل له صالح لطالما نصحه، ولطالما حاول أن يعيده إلى الله فما أفلح، وإذ به يدخل عليه قال: والله! إنك بوجه غير الذي أعرفه منك، قال: إن نبأي عظيم، وخبري عجيب، وأخبره بقصته مع ابنته، ثم قال له: احمد الله الذي أرسل إليك ابنتك وأنطقها، فوالله ما أنطقها إلا رب الأرباب، ولم يرسل إليك ملك الموت ليقبض روحك، وأنت على الحالة التي تعرف.
ثم استأذن وذهب، وأراد أن يذهب إلى البيت لكنه ما ذهب إلى البيت، بل ذهب إلى مصلى الدائرة التي يعمل فيها، وبقي يصلي، به شوق عظيم إلى الصلاة، ونزل هذا الزميل في وقت صلاة الظهر، وإذ به أمامه يصلي، قال: ما بك؟ ألم تذهب لترتاح؟ قال: يا أخي! إن بي شوقاً عظيماً للصلاة، سبع سنوات ما ركعت فيها لله ركعة، بأي وجه ألاقي ربي؟!
ويذهب إلى بيته، ويتواعد مع زميله على أن يتجاذبا أطراف الحديث بعد صلاة العشاء، ويذهب إلى البيت، فما رأى ابنته أبداً، دخل إلى البيت وإذ بزوجته تصرخ وتبكي وتقول: ابنتك ماتت، فينفجر من البكاء، ويتردد وينهار ويردد مقالتها: عيب عليك يا والدي اتقِ الله! ثم يتصل بزميله، ويأتي ويغسلونها، ويذهبون بها إلى المقبرة، بعد أن صلوا عليها صلاة العصر قال: وعندما وصلنا إلى المقبرة قال زميله: خذ ابنتك وضعها في لحدها، وكأنه يقول له: موعدك أيضًا هذا اللحد، فأخذ ابنته بين يديه، ثم دخل ليضعها في اللحد ودموعه تقطر على وجنتيه:
وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها روحٌ تسيلُ فتقطرُ
روحه تسيل من دمعه، قال بصوت حزين أبكى جميع من حضر الدفن: أنا والله لا أدفن ابنتي، ولكني أدفن النور الذي أراني النور.
هذه البنت ردته إلى الله جل وعلا بإذن ربه، أرته نور الهداية بعد أن كان في الضلالة والغواية.
فيا من أخطأ! ويا من أسرف! -وكلنا ذلك المخطئ، وكلنا ذلك المسرف-: لنعد إلى الله فنعتق أنفسنا.
اللهم إنا نسألك أن تيسر الهدى لنا، وأن تهدي بنا، وأن تهدينا.
يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.