[من آثار السلف في الاشتغال بما يعني]
وإليك أخي المسافر العاقل على الطريق هذه اللفتة من ابن القيم رحمه الله يقول فيها:
اشغل نفسك فيما يعنيك دون ما لا يعنيك؛ فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاتَه ما يعنيه؛ فإيَّاك ثم إيَّاك أن تُمكِّن الشيطان من بيت أفكارك؛ فإنه يُفْسِدها عليك فساداً يصعب تداركه، ويُلقي إليك الوساوس، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت تعينه على نفسك بتمكينه من قلبك، فمِثَالُك معه كَمِثَال صاحب رحى يطحن فيها الحبوب، فأتاه شخص معه حمل تراب وبَعْر وفحم وغثاء؛ ليطحنه في طاحونه، فإن طردته ولم تُمَكِّنه من إلقاء ما معه في الطاحون، فقد واصلت على طحن ما ينفعك، وإن مكنته من إلقاء ما معه في الطاحون، أفسد عليك ما في الطاحون من الحَب، فخرج الطحين كلُّه فاسداً.
فيُتْرك ماؤكم من غير وِرد وذاك لكثرةِ الأخلاط فيه
فاللبيب يُفِكر فيما يعنيه، بل فوق ذلك قد علم أن كلامه من عَمَلِه، فَقل كلامه إلا فيما يعنيه وينفعه.
فإنَّ لسان المرء ما لم تَكن له حصاةٌ على عَوراته لَدَليلُ
لا خير في حشو الكلا م إذا اهتديت إلى عيونه
والصمت أجمل بالفتى من منطق في غير حينه
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[لا تتكلم فيما لا يَعنيك فإنه فضل، ولا آمن عليك الزور، ولا تتكلم فيما يَعنيك حتى تجدَ له موضعاً، فَرُبَ مُتَكلم في أمر يَعنيه قد وضعه في غير موضعه فأعنته]].
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
والأدبُ النافعُ حسنُ السمتِ وفي كثير القَولِ بعضُ المَقتِ
يقول عطاء بن رباح رحمه الله: "أما يستحي أحدكم لو نُشَرت صحيفته التي أَمْلَى في صدر نهاره، وليس فيها شيءٌ من أمر آخرته ينفعه".
واهاً ثم واهاً.
إن الشجاعة في القلوب كثيرةٌ وَوَجدتُ شُجعان العقولِ قليلا
دخلوا على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض، فكان وجهه يتهلَّل، فقِيل له: ما لوجهك يتهلل يرحمك الله؟ فقال: [[ما من عمل شيء أَوْثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليماً]] {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].
ودخل رجل فضولي على داود الطائي رحمه الله زائراً، فقام يتفقد البيت، ثم قال: يا إمام! إن في سقف بيتك جِذعاً مكسوراً.
قال: يا بن أخي! إنَّ لي في البيت عشرين سنة ما تأملت سقفه، مالك وله رحمك الله؟! {من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه}.
فأولى لكم ثم أولى لكم مزيد من الصَّحْو واليقظة