كيف لا يصدقون وقد عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا نفر قليل؛ خمسة أعبد وامرأتان فلم يهن ولم يضعف ولم يستكن، وما كان له ذلك صلوات الله وسلامه عليه، بل جاهد وجالد حتى كثر أصحابه وأوذا كما أوذوي في سبيل الله؛ فما ضعفوا وما وهنوا وما استكانوا، بل صابروا، وهاجروا فراراً بدينهم هجرتين: إلى الحبشة ثم إلى المدينة رضوان الله عليهم أجمعين.
عاصروا وعايشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا له الأعوان والأنصار، آووه وصدقوه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه.
عاصروا محنة الهجرة بقسوتها وشدتها عليهم؛ كيف وهم يفقدون أوطانهم وأهاليهم -مرابع الطفولة وحياتهم كلها- ويرون فوق ذلك قائدهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم يقف أمامهم يخاطب مكة بـ الحزورة قائلاً:{والله! إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إليّ، ولولا أني أُخْرِجت ما خرجت}.
دموعه تهطل على لحيته صلى الله عليه وسلم؛ فيا لها من قلوب احترقت وهي ترى نبيها على ذلك الحال! ويا لها من قلوب غلبت مصلحة العقيدة ومتطلبات الدعوة على هوى النفس وشهواتها! فما النتيجة؟