للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من عوامل بناء النفس: طلب العلم]

ومن أهم عوامل بناء النفس: طلب العلم المقرب إلى الله جل وعلا، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في تبليغه، أقول هذا لسببيْن اثنيْن؛ لأن العبادة بلا علم توقع في البدع، وما وقع المبتدعة فيما وقعوا فيه إلا عن جهل غالباً، ولأن العلم مادة الدعوة إلى الله جل وعلا، ودعوة إلى الله بلا علم قد تضر ولا تنفع، وقد يصاحبها الانحراف والضلال.

وما الداعية بلا علم إلا كواقف على شاطئ البحر ينتظر وينظر؛ فإذا الأمواج تتقاذف سمكة من الأسماك يَمْنَة ويَسْرَة، تطفو بها تارة، وتغوص بها أخرى، فيشفق عليها مما هي فيه، فيأخذها، ثم يرميها على الشاطئ ظناً منه أنه أنقذها، وما علم أنه أهلكها، وإن للخير سبلاً، وكم من مريد للخير -يجهل العلم- لا يدركه.

فيا طالب العلم: العلم هام لهاتيْن النقطتيْن، ولك خصال عند الله وميْزات قلَّما توجد لأي شخص من الأشخاص في هذه الحياة، اسمعها وعِها وقف عندها علَّها تكون لك حافزا: ً

أولاً: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة} فأنت تسلك طريق الجنة ولا شك، قال ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع.

ثالثاً: أهل السماوات والأرض -حتى الحيتان في جوف البحر- يصلون على معلم الناس الخير.

رابعاً: الخيرية لك {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.

خامساً: النضارة والوضاءة في الدنيا والآخرة، فتجد وجوه طلبة العلم المخلصين عليها النور وعليها الوضاءة في الدنيا وتبيض: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:١٠٦] يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فربَّ مبلَّغ أوعى من سامع}.

سادساً: التعديل والتزكية لا من البشر القاصرين المخطئين، ولكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين}.

العلم أحلى وأغلى ما له استمعت أذن وأعرب عنه ناطق بفم.

العلم أشرف مطلوب وطالبه لله أكرم من يمشي على قدم

فقدِّس العلم واعرف قدر حرمته في القول والفعل والآدابَ فالتزم

يا طالب العلم لا تبغي به بدلاً فقد ظفرت ورب اللَّوح والقلم

واجهد بعزم قوي لا انثناء له لو يعلم المرء قدر العلم لم ينمِ

والنية اجعل لوجه الله خالصة إن البناء بدون الأصل لم يقمِ

هذه المزايا العظام -يا أيها الأحبة- تحتاج في نيْلها إلى صبر ومصابرة ومجاهدة.

فمن لم يصبر على ذل التعلم، بقي طول عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عز في الدنيا والآخرة.

طالب العلم -يا أيها الأحبة- يحتاج إلى الصبر، لماذا؟ لأنه يحتاج إلى عالم يذهب إليه، يحتاج -بالطبع- إلى أن يتأدب معه، إلى أن يستأذن عليه، إلى أن يتلطف في السؤال، إلى أن يزاحم طلاب العلم بالرُكَب، إلى قسوة قد يجدها من العالم في لفظ يعنفه به أمام الناس، ومع هذا كله فإن الصعاب تُستعذَب في سبيل الجلوس مع العلماء، للتأدُّب بأدبهم، ونيل العلم الذي يكسبك خشية رب الأرباب؛ فأصل العلم خشية الله جل وعلا.