قد تقولون: هؤلاء في عصر مضى، فسأذكر لكم نموذجاً من هذا العصر.
عجوز جالست النساء وهي تخشى الله عز وجل، وتعلم أن هذا اللسان لطالما أردى الكثير من الناس في حفرةٍ من حفر النار، وأوقعهم في أعراض المسلمين -وأعراض المسلمين حفرةٍ من حفر النار- ما كان من هذه المرأة يوم أن جالستهم؛ فلم تجد فائدة إلا أن اعتزلت بيتها؛ فهي تذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، وتقرأ القرآن، واعتزلت النساء ولم تجلس معهن، وكان لها ولد بارٌ بها، وفي ليلةٍ من الليالي، قد كانت تقوم أكثر ليلها يوم أصبح قيامنا وقيام أهل بيتنا -إلا من رحم الله- على التمثيليات والمسلسلات، ونسأل الله أن يعصم قلوبنا أن نلقى الله على ذلك.
يا أيها الأحبة! كانت تقوم ليلها، وفي ليلةٍ من الليالي، وإذا بها تنادي ابنها في ثلث الليل الآخر، وتقول: يا بني! ها أنا على وضع سجودي لا يتحرك مني عضو واحد.
فما كان منه إلا أن أخذها وذهب بها إلى المستشفى، وهو بارٌ بها، يريد أن تعود إلى صحتها، نورٌ في البيت تذكر الله ليلاً ونهاراً، وذهب بها إلى الأطباء، وفعلوا ما فعلوا، وأنَّى لبشر أن ينجي من قدر؟ وأنَّى لِحَذَرٍ أن ينجي من قدَر، سألته بالله أن يعيدها إلى بيتها، فأخذها وذهب بها إلى البيت، ووضَّأها، ثم قالت: أعِدني على وضع السجود كما كنت على سجادتي في آخر الليل، وإذا بها بعد فترة ليست بالطويلة تنادي ابنها، وتقول: يا بني! أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
لتلقى الله -عز وجل- وهي ساجدة؛ يغسلونها وهي ساجدة؛ ويكفنونها وهي ساجدة؛ ويذهبون ليصلوا عليها وهي ساجدة، تُحمل إلى المقبرة وهي ساجدة، وتدخل القبر وهي ساجدة، ومن مات على شيءٍ بُعث عليه، تُبعث بإذن الله ساجدة.
يا أيها الأحبة رجالاً ونساءً!
امرأة تقوم من الليل ما تقوم، وبعضنا لا يقوم من ليله ولو لساعة أو لنصف ساعة أو لدقائق أو لركعتين أو ثلاث يرجو بها رحمة الله، يرجو بها نفحة من نفحات الله عز وجل.
إني أقول: تشبهوا بهذه العجوز وقد منحكم الله ما لم يمنحها من الصحة والقوة.