[مسخ الله لأصحاب السبت]
الحمد لله رب العالمين جعلنا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
قال الله تعالى مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:١٦٣ - ١٦٦]، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:١١١].
هذه قصة قرية أُخِذت أخذ عزيز مقتدر، فضحها الله، وجعل أشخاصها قردة وخنازير، يوم تركوا أمره ونهيه، قرية كانت على الشاطئ مجاورة للبحر، حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، فوقفوا لا يصطادون يوم السبت، فزاد الله ابتلاءهم ابتلاءً، وامتحن صدقهم وإخلاصهم، فجعل الأسماك يوم السبت تأتي سابحة إلى الشاطئ، وفي بقية الأيام لا تكاد تجد سمكة إلا قليلاً، فانقسم الناس حيال أمر الله عز وجل إلى أقسام، وهم في كل زمان بهذه الأقسام:
قسم هم أهل الخبث والخيانة والفجور، قالوا: نجري جداول وأنهاراً إلى داخل الشاطئ، فإذا دخلت الأسماك سددنا عليها يوم السبت وأخذناها يوم الأحد.
أَعَلَى الله يضحكون؟ أم على الله يمكرون؟ يخادعون الله وهو خادعهم.
وقسم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقال: لا تفعلوا هذا، بل اتقوا الله، وخافوا الله، واحفظوا الله، فلم يسمع لهذا القسم.
وقسم آخر: قال اتركوهم، لِمَ تنهونهم؟ الله سيعذبهم.
فقال الدعاة إلى الخير: نأمرهم معذرة أمام الله عز وجل يوم يجمع الأولين والآخرين؛ علهم أن يهتدوا، فنحن لا نعلم أن الله قد طبع على قلوبهم.
بدأ أهل الخبث في تنفيذ خطتهم، وخداعهم، ومكرهم، فقام الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر-الذين يثقون بما يعد الله به- بجعل سور بينهم وبين الفجرة الماكرين؛ حتى لا يصيبهم من العذاب ما يصيب أهل السوء، وتركوا في الجدار نوافذ؛ ليتطلعوا أخبارهم من خلالها، ليكون لهم في ذلك عبرة.
أما القسم الآخر فسكتوا ولم يمكروا، لكنهم رضوا بالمنكر، والراضي كالفاعل.
ويأتي صباح يوم من أيام الله، يوم يغضب الله ويسخط على أعدائه، فيمسخ أولئك قردة وخنازير، فوجئ الدعاة، وإذ بالنوافذ ممتلئة خنازير وقردة، يقولون: من أنت؟ فيقول الرجل: أنا فلان، وهو على صورة خنزير، والمرأة تقول: أنا فلانة، وهي على صورة خنزير، وقعوا فيما يغضب الله، وتركوا الأمر والنهي؛ فصاروا قردة وخنازير.
ثم أتى الله بأولئك الذين سكتوا، وما تكلموا، الذين يقولون في كل زمان: إن الدعوة تطرف وتزمُّت، أتى الله بهم فأدخلهم في الحظيرة، فحولهم قردة وخنازير، هم ما احتالوا على الله، لكنهم سكتوا على المنكر، والراضي كالفاعل ولا يظلم ربك أحداً.
أما أولئك الدعاة الآمرون والناهون فسلموا في الدنيا، ولهم السلامة في الأخرى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:١٦٥].
إن من يسكت ويقول: نفسي نفسي، سيأخذه الله مع الطالحين: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى} [هود:١٠٢].
تداعت علينا الأمم، ونحن كثرة كاثرة، لكن غثاء كغثاء السيل، أيقاظ نيام في الغالب، نؤمر فلا نأتمر، ونُنهى فلا ننتهي-إلا من رحم الله وقليل ما هم- والحوادث شاهدة: حلت بنا الأحداث، وطوقنا الأعداء، وخوفنا الله، فما زادنا ذلك إلا طغياناً كبيراً {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:٥٧].
أَأُخيَّ إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر