[الفتور في التربية مما حرف البعض عن الهدف]
وبدأت الصحوة تُؤتي ثِمَارها والحمد لله رب العالمين؛ لكنه نظراً للفتور والتقاعس والتباطؤ في التوجيه والتربية، والقيام بالمسئولية، وغيرها من العوامل تجاه هذه الجموع، ظهر في الأُفُقِ سَحَائب تخاذلٍ وضَعف، أو غُلُوٍ وتنطع على نفس الطريق.
وبعبارةٍ أدق: ظهر تعلق بالأطراف والشواطئ والقنوات، وهُجِرت لُجة البحر والعمق والخِضَم، فإذا أنت ترى من تعلق بطرف أعلى يكاد يسقط فتُدق عنقه، وما هو أعز من عنقه، جاوز الحد؛ هلك ثم هلك.
وآخَرُ في الطرف الأدنى يحتضر لا يكاد يعرف هويته، يحمل اسم الإسلام ويجهل كُنْهه، قد ربط الوهم أقدامه المسرعة، وطوى أشرعته المبسوطة، وثقلت به أجنحته المُرفرفة، يَنْدب حظه وكفى.
وآخَر راكب متجه نحو هدفه، فلمَّا رأى السَّراب أراق ماءه؛ ظناً منه أنه بلغ هدفه، فلما جاءه لم يجده شيئاً، ثم ندم حيث لم ينفعه الندم.
وآَخر اتَّخذ الوسائل غاياتٍ؛ فبقى في القنوات وهجر لُجَّة البحر.
وآخر اكتفى بالكلام، وركل العطاء والعمل.
وآخر هجر الكيف واهتم بالكم، عمل غير النَّافع وترك النافع، عمل غير المُهم وترك المهم والأهم، ما حاله إلا كمن صنع ساقية، لكنِّها لا تسقى الزرع، بل تأخذ الماء من النهر فترده في النهر، تَعَجَّب النَّاس من فعله الأحمق! قالوا: ما هذا السَّفه؟! تعمل ولا نتيجة لعملك، تأخذ الماء من النهر وتعيده إلى النهر؟! قال: يكفيني من السَّاقية نَعِيْرُها -يكفيه صوتها-.
وآخر رضيَ بالزرع، واتبع أذناب البقر، وترك الجهاد، وَرَهَقَه الذُّل، ومع ذلك لم يَجْنِ من الزرع الثمر، ولم يأخذ من البقر اللبن، بل بقيَ عالة يتكفَّف ويسأل، ويُنشد مع ذلك:
أَرى ماءً وبي عطشٌ شديد ولكنْ لا سبيلَ إلى الوُرودِ
وآخر اتَّضح طريقه، وحُددت غايته، وهُيئت وسيلته، وأصابه في وسط الطريق همٌ دوَّخه، غبشٌ جاءه في وسط الطريق استولى عليه، فهو أحوج ما يكون لحادٍ يحدوه إلى البحر.
لهذا كله كان لِزاماً على كل مسلم يملك أدنى صوت للتوجيه؛ أن يرفع الأذان ليخرق الآذان، علَّه يصل إلى الجنان، ليرد ذلك المتجاوز، ويُحيي ويوقظ ذاك الرمِّة الغافل، ويُطلق الأقدام، ويبسط الأشرعة، ومعه تُرفرف الأجنحة ليُهتم بالنافع الأهم، ويهجر الكم.
من هذا المنطلق كانت هذه الكلمات بعنوان: اقصد البحر وخلِ القنوات.