الجهاد بالأدب نظماً ونثراً
وأخرى تجر لخيرٍ منيف، حروف نظمٍ أو شعر، أو نثر في الدعوة إلى الله، ونصرة دين الله؛ تفصم عرى الباطل، وتلهب القلوب بسياط الحق، وتملأ الآذان وتصك الجنان، وتأسر المشاعر أسراً: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [محمد:٤].
هاهم شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاهدون بسنانهم ولسانهم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في نظم حسان: {والذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من رمي النبل}.
ابن رواحة يعيرهم بالكفر، وحسان يذكر عيوبهم وأيامهم، وكعب بن مالك يقول: فعلنا ونفعل ويتهددهم، فكانت كلماتهم أسرع في العدو من السهم في غلس الظلام.
والشعر إن لم يكن ذكرى وموعظةً أو حكمة فهو تقطيع وأوزان
لقد أسلم فئام من دوس فرقاً من تهديد كعبٍ حين قال:
قضينا من تهامة كل وثر وخيبر ثم أجممنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوساً أو ثقيفا
نجاهد لا نبالي من لقينا أأهلكنا السلاد أم الصليفا
قالوا حين بلغهم ذلك: انطلقوا فخذوا لأنفسكم، لا ينزل بكم ما نزل بثقيف.
حصحص الحق وانتهى كل شيءٍ فمن الحزم أن نجيب الرشادا
فلله دره من شاعر؛ ببيتٍ واحدٍ تسلم قبائل بأسرها خوفاً وفرقاً.
فما هو إلا البحر يلقاك ساكناً ويلقاك جياشاً مهول الغوارب
فرضي الله عنهم جميعاً.
هم البحر إلا أنه طاب ورده وكم من بحار لا يطيب ورودها
أسود غاب ولكن لا نيوب لهم إلا اللسان مع الهندية القضب
هذه صورةٌ مضيئة مختصرة من البيان الحق تنقل لأصحاب الأقلام، والألسنة العيية في الحق، التي تحمل الموت وأسباب الموت، من تلبس القاتل لباس الناسك، وتسم الخلي بسمة الولي، وتؤزر أبناء الحرام بإزار الإحرام، وتخلع على الصعلوك ألقاب الملوك من نصبها عدو الأمة لرفع الأمة لكن إلى أسفل، وهو من ورائها يتوارى بها كما يتوارى سائق الحمار بالحمار، ثم ينخره ليندفع على غير هدي الغريزة الحمارية، فلا يفهم الناس أن وراء الحمار سائقاً، وأنه يسوقه إلى ما ليس في طبعه وقدرته؛ فهو مسخرٌ لخدمته، غافلٌ عن عاقبته، لأنه إذا تم لمسخره فيما أراد عاد عليه فدمره، فلو كان في أقسام الإضافة في النحو العربي ما هو بمعنى: على، لخلعنا على واحدهم لقب حجة الإسلام، يعني: الحجة على الإسلام.
وهي كذلك رسالةٌ إلى الأدباء الخاملين الخائرين الكسالى البطالين، من أدبهم لا يبعث الروح ولا يثير الطموح، شعرٌ بارد من قلبٍ بارد، أدبٌ ميت يصدر عن أديب ميت، لا يحمل في عينه دمعة ولا في قلبه لوعة، بيانٌ ولا هم، وأرضٌ مخصبة ولا زمزم، ومن لم يحرك المشاعر فما هو بشاعر.
ألا إن السيف يحتاج إلى ساعدٍ قوي، والقلم واللسان يحتاج إلى فكرٍ مسدد، والله لا يصلح عمل المفسدين.
وكريمة الكرائم؛ قلم صدق يحرر، ولسان حقٍ يعبر، وعقلٌ منضبط بوحي المولى يدبر، فإذا ضاعت هذه فالوجود العدم.
إن المنابر في الإسلام ما رفعت إلا لترفع صوت الحق في الناس
فاختر لأعوادها لا من يلين له بالحق عودٌ ولا يصغي لخناس
وإلا فالحتوف!