للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تربية أسماء لأبنائها]

لا زلنا نعيش مع أسماء ويرزقها الله -جلَّ وعلا- بـ عبد الله، فتربيه تربية المؤمنات، تُتحفُّ سمعه وقلبه بمبادئ هذا الدين، تُتْحف سمعه -صباحاً ومساءً- بتلاوة آيات الله البينات على آذانه، تُتْحِف سمعه وقلبه بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار حتى شبَّ وترعرع، وأبواه لا يفتران عن تعليمه أمور الدين، وتربيته على الإسلام، حتى إنه ليقتحم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام، وهو لا يزال صغيراً؛ فيتبسم صلى الله عليه وسلم يوم جاء يبايعه، ويقول: {إنه ابن أبيه، إنه ابن أبيه} كما روي عنه صلى الله عليه وسلم.

فهل تعي الأمهات مسئولية الأبناء؟ نرجو ذلك.

إن المرأة الغارقة في الرفاه والتنعم والترف، والتي تستهلكها الدنيا من طعام وشراب، وزينة وتفاخر، ومظاهر براقة لا تربي الأطفال، ولا تربي العلماء، ولا تربي الأتقياء؛ إنما تربي التنابلة والبطَّالين، والكسالى والخاملين، والعالة على المجتمع المتسكعين؛ أشباه الرجال ولا رجال.

انظرن -يا أيتها الأخوات- لـ أسماء في أحْلَكِ المواقف، وقد بلغت السابعة والتسعين من عمرها، يوم حوصر ابنها في الحرم، فيدخل هو عليها يستشيرها في الموقف؛ ماذا يفعل.

فقالت بثبات المؤمنة المربية: [[أنت أعلم بنفسك يا عبد الله! إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى الحق؛ فاصبر عليه حتى تموت في سبيله، وإن كنت تريد الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك، قال: يا أماه! والله ما أردت الدنيا، وما جُرْتُ في حكم، وما ظلمتُ، وما غدرت، والله يعلم سريرتي وما في قلبي.

فقالت: الحمد لله! وإني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن سبقتني إلى الله، تعانقَا عناق الوداع، ثم قالت: يا بني! اقترب حتى أشمَّ رائحتك، وأضم جسدك، فقد يكون هذا آخر العهد بك، فأكبَّ على يديها ووجهها يلثمها ويقبلها، وتشتبك دموعه بدموعها وهي تتلمسه -عمياء لا ترى- ثم ترفع يدها، وهي تقول: يا عبد الله! ما هذا الذي تلبسه؟ قال: درعي.

قالت: يا بني! ما هذا لباس من يريد الشهادة في سبيل الله، انزعه عنك؛ فهو أقوى لوثبتك، وأخفُّ لحركتك، والبس بدلاً منه سراويل مضاعفة؛ حتى إذا صُرعت لم تنكشف عورتك]].

نزع درعه، وشدَّ سراويله، ومضى إلى الحرم، وهو يقول: يا أماه! لا تَفْتُري عن الدعاء، فرفعت كفَّها وقلبها إلى الله قائلة: [[اللهم ارحم طول قيامه، وشدة نحيبه في سواد الليل والناس نيام، اللهم ارحم جوعه وظمأه في هواجر مكة والمدينة وهو صائم، اللهم إني قد أسلمته إليك، ورضيت بما قضيت فيه، فأثبني فيه ثواب الصابرين]].

ويذهب ويصلي طوال ليلته تلك، ويصلي بالناس الفجر، ثم يحمد الله، ويثني عليه، ويحرض أصحابه على القتال، ثم ينهض ليقاتل، وتأتيه ضربة في وجهه، يرتعش لها ويسيل الدم على وجهه، فيقول:

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا يقطر الدَّما

ثم سقط فأسرعوا إليه، فأجهزوا عليه، فارتجت مكة بالبكاء عليه -عليه رحمة الله- ثم لم يكتفوا بذلك، بل صلبوا جسمانه كالطود الشامخ في ريع الحجون.

عُلو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المكرمات

كأنك واقف فيهم خطيباً وهم واقفوا قياماً للصلاة