وذاك غادٍ آخر يغدو؛ لإعتاق نفسه؛ إن تكلم فبذكر الله، وإن استعان استعان بالله، وإن سأل فبالله، وإن أُصيب بمصيبةٍ لجأ إلى الله، ثم طلب الأسباب الشرعية لا الأسباب الشركية، إن حَلَفَ فبالله، وإن حُلِفَ له بالله رضي، فهو غادٍ في حفظ الله وعائدٌ في عناية الله.
فأي الغاديين أنت؟ فكلٌ يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.
وغاد آخر يغدو فيقدم مراد الله عز وجل على شهواته وعاداته، ويقدم مراد الله وأوامره على لذاته وعاداته وتقاليده، فالحكم حكم الله، والأمر أمر الله، والنهي نهي الله، والسعادة لا تكون إلا من الله، ووالله! لن يسعد إنسانٌ حتى يُقدٍّم أوامر الله على كل هوىً في نفسه، وعلى كل حكم، وعلى كل أمر وعلى كل نهي، وعند ذلك يكون له الأجر الجزيل والخير العظيم من الله.
وفي الأثر:{أن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي! ما من عبدٍ آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، واتجرت له من وراء كل تاجر}.
وآخر يٌقدِّم ويغدو؛ فيقدم شهوات نفسه ولذائذها وعاداتها وتقاليدها على مراد الله جلَّ وعلا، فتجده يعبد هواه، فما فما وافق عادته وشهوته وهواه فهو الحق في رأيه فيعمل به، وما خالفها فهو الباطل فيعرض عنه؛ حتى لو كان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية:٢٣] يريد الدين موافقاً لشهواته، ورغباته، ويريد أن يخضع له كل شيء، فيقبل أي حكم ويرفض أي حكم ما دام أنه لا يتفق مع شهوته:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:٤٤]{فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة:٤٧]{فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة:٤٥] وفي الأثر: {أن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كَثَّرت همومه، وفرقت عليه ضيعته، ونزعت الغنى من قلبه، وجعلت الفقر بين عينيه، ثم لا أبالي في أي أودية النار هلك}.