[أعظم سلاح في أيدي المؤمنين]
وأخيراً علمتني الحياة في ظل العقيدة: أن أعظم سلاح بأيدي المؤمنين هو الدعاء.
سهامُ الليل لا تخطئ ولكن لها أمدٌ وللأمدُ انقضاءُ
لا تسألن بُنَي آدم حاجةً وسل الذي أبوابُه لا تُحجَبُ
الله يغضب إن تركت سؤالَه وبُنَي آدم حين يُسأل يغضبُ
سلاح عظيم، غفل عنه المؤمنون، لن يهلك معه أحد بإذن الله، إنه الدعاء والالتجاء إلى رب الأرض والسماء:
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:١٨٦].
يقول ابن كثير عليه رحمة الله: كان بقي بن مخلد -أحد الصالحين الأخيار- عابداً قانتاً خاشعاً، أتته امرأة صالحة، فقالت: يا بقي! إن ابني أسره الأعداء في أرض الأندلس، وليس لي من معين بعد الله إلا ابني هذا، فسل الله أن يردّ عليّ ابني، وأن يطلقه من أسره.
فقام وتوضأ، ورفع يديْه إلى الحييِّ الكريم الذي يستحيي أن يرد يدي العبد صفراً خائبتيْن سبحانه وبحمده، فدعا الله عز وجل أن يفكَّ أسر ابنها، وأن يجمع شملها بابنها، وأن يفك قيده، وبعد أيام وإذا بابنها يأتي من أرض الأندلس، فتسأله أمه: ما الذي حدث؟ قال: في يوم كذا في ساعة كذا- وهي ساعة دعاء بقي - سقط قيدي من رجلي، أعادوه فسقط، ألحموه فسقط، فذُعروا ودُهشوا وخافوا، وقالوا: أطلقوه.
قالت: فعلمت أن ذلك بدعاء صالح من عبد صالح: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] {الدعاء هو العبادة}.
هاهو صلة بن أشيم كان في غزوة فمات فرسه، فتلفت يميناً وشمالاً، ثم قال: اللهم لا تجعل لمخلوق عليَّ منَّة، فإني أستحيي من سؤال غيرك، وعلم الله صدقه في سرائه وضرائه، فأحيا الله عز وجل له فرسه، فركبه حتى إذا وصل أهله، قال لغلامه: فك السرج فإن الفرس عارية، فنزع السرج، فهبط الفرس ميتاً.
ولا عجب؛ فمن توكل على الله، ومن التجأ إلى الله أجاب دعاءه وحفظه، ولو كادته السماوات والأرض، لجعل الله له من ذلك فرجاً ومخرجاً.
فمرة أخرى إذا ادلَهمَّت الخطوب، وضاقت عليك الأرض، وقلَّ الناصر، وزمجر الفساد، ودُعم الباطل، وكُبت الحق، وعيَّر البخيلُ الكريمَ، وعيَّر العييُّ الفصيح، وعيَّر الظلام الشمس:
وطاولت الأرض السماء سفاهة وفاخرت الشهبَ الحصا والجنادل
وتمنَطق كل جبان، وتخلى الأمناء، ورُفع السفهاء، وتظاهر بالوفا كل خوّان، ونطق الرويبضة، وغدا القرد ليثاً، وأفلتت الغنم، فارفع يديْك إلى من يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠].
يا من أجبت دعاءَ نوحٍ فانتصر وحملته في فُلْكِكَ المشحونِ
يا من أحال النارَ حول خليلِه روحاً وريحاناً بقولك كوني
يا من أمرت الحوت يلفظ يونسَ وسترته بشجيرة اليقطين
يا رب إنا مِثْله في كربةٍ فارحم عباداً كلهم ذو النونِ
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة، باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، وإذا استفرجت به فرَّجت؛ أن تجيرنا من النار، وأن ترزقنا ألسنة ذاكرة، وقلوباً خاشعة، وأعيناً مدرارة، وإيماناً نجد حلاوته إلى أن نلقاك.
رباه! إن حالنا لا يخفى عليك، وذلنا ظاهر بين يديك، والمسلمون عبيدك، وبنو عبيدك، وحملة كتابك وأتباع رسولك، يرجون رحمتك، ويخشون عذابك.
اللهم الْطف بنا.
اللهم ارحمنا.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
يا مغيثاً لمن لاذ بحماه! يا قريباً لمن دعاه! يا معيذاً من استعاذ به! أجِرْنا من النار، ومن دار الخزي والبوار.
اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفرطين ولا مفتونين.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوفانا مسلمين، وأن يُلحقنا بالصالحين، وأن يجعلنا من عباده المتقين الفائزين.
اللهم واجعل ما قلناه خالصاً لوجهك الكريم، بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
تم الكلامُ وربُنا محمود وله المكارمُ والعلى والجودُ
وعلى النبي محمدٍ صلواته ما ناحَ قُمريٌّ وأَوْرَق عودُ