يا عباد الله: دعوة الوالد لاترد، إن بخير أو بغير ذلك، فإياكم ودعوة الشر من الوالدين، وعليكم بالأسباب التي تجلب لكم دعوة الخير منهما ليكون بها -بإذن الله- فلاحكم ونجاحكم، فوالله إن كثيراً ممن لم يوفقوا في حياتهم كان من أسباب ذلك دعوة والديهم عليهم بعقوقهم وقطيعتهم.
هاهو شاب في زمن ليس ببعيد وفي قرية ليست بالبعيدة، كان يرعى الغنم لأبيه، ورأى تهافت الشباب على السفر والانخراط في السلك العسكري، فطلب من أبيه أن يسمح له ليذهب معهم، فرفض الوالد ذلك، حاول مراراً فلم يأذن له، قال الشاب: سأذهب أذنت أم لم تأذن، قال: أما القوة فما لي عليك من قوة، لكن مالي عليك إلا سلاح أوجهه في وقت السحر، وجاء يوم من الأيام وترك هذا الشاب غنمه مع أحد أقرانه، وذهب إلى إحدى قريباته فزودته بما يحتاجه المسافر وذهب إلى سفره، وعلم الأب -وكان صالحاً تقياً- بسفره بدون إذنه، فرفع يديه إلى الحي القيوم وسأل الله عزَّ وجلَّ أن يريه فيه ما يكره، فعمي الولد وهو في الطريق، واستقبله بعض أفراد قبيلته في الطائف وسألوه: ماذا تريد؟ قال: كنت أريد الوظيفة أما الآن فأعمى لا يقبل مثلي في الوظيفة، أخذوه وجاءوا به إلى أبيه، وعندما دخل عليه البيت وهو في الليل -ووالده قليل البصر.
وهذا الشاب أعمى- فقال أبوه: أفلان أنت؟ قال: نعم.
قال: هل وجدت السهم؟ قال: نعم والله.
لكن الأب الحنون حزن حزناً عظيماً، وتأثر تأثراً كبيراً، وكان يود لو كانت في غير عينيه، وقام ليلته يبكي ويئن يركع ويسجد ويلحس بلسانه عين ولده ويدعو الله عزَّ وجلَّ، والله قريب مجيب، فما قام لصلاة الفجر حتى عاد لولده البصر، فحمد الله كثيراً، وهو معروف عند بعضكم أيها الجالسون، قد يكون هنا من يعلم الشخص الذي حصلت له الدعوة والذي كانت منه الدعوة.
لا إله إلا الله! دعوة الوالد مستجابة يا عباد الله، فاجعلوها في الدعوة إلى ما يسركم في الحياة وفي الممات.
يا أيها الآباء: لا تدعوا على أولادكم ولا على أنفسكم ولا على أموالكم فتصادف ساعة إجابة من الله فتندمون حين لا ينفع الندم.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا، اللهم ارض عنا وعن والدينا وآباء وأمهات جميع المسلمين الأحياء منهم والميتين إنك على كل شيء قدير.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.