[العز بن عبد السلام وسلامة صدره]
هاهو الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله لقي من صنوف الأذَى على يدي الأشرف موسى ما لقي، ثم رجع الأشرف إلى الحق بعد ما تبيَّن له، وأحبَّ الشيخ حُباً جَمّاً، وقدَّمه على غيره، وعمل بفتاواه، ولمَّا مرض الأشرف قال: يا عز؛ اجعلني في حِلٍّ، وَادْعُ لي، فقال الشيخ: أما مُحَالَلَتُك، فإنِّي كل ليلة أُحَالِلُ الخلق، وأَبِيتُ وليس عندي لأحد مَظلمة، وأرى أن يكون أجري على الله، لا على عباد الله؛ عملاً بقول الله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:٤٠].
صفوحٍ عن الإجرام حتى كأنه من العفو لم يعرف من الناس مجرما
وليس يبالي أن يكون به الأذى إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما
ثم أوصاه الشيخ بالصلح مع أخيه فتمَّ له ذلك، ثم ذَكَّره بمنع المنكرات، وإبطال ما يمارس العُمَّال من المُوبِقات مِن إباحة الفُروج وإدمان الخمور وارتكاب الفُجور، وقال له: إنَّ أفضل ما تَلقى الله به أن تُبطل ذلك في مملكتك، فأَمَر بإبطال ذلك كله، وقال للشيخ: جزاك الله خيراً، وجمع بيني وبينك في الجنة بمَنِّه وكرمه، ولَقي الله، فرحمه الله!
هكذا أخي يجب أن نكون من حسن الظن بالمسلمين، حتى نَصِل بدعوتنا إلى سُوَيْدَاء قلوب المدعوين.
فمن وجد الإحسان قيدا تقيدا
وعلنا أنْ نَطَّرِحَ سوء الظن واتباع الهوى، فاتباع الهوى يُفرِّق ويشتت ويمزق؛ لأن الحق واحد، والأهواء بعدد رءوس الخلق، ومن أضلُّ ممن اتبع هواه بغير هُدى من الله؟!
تراه كدود القز ينسج دائماً ويهلك غماً وسط ما هو ناسجُ
فخير لك -إن أردت النجاة على الطريق- أنْ تسيء الظن بنفسك لا بالمسلمين؛ لأنَّ حُسن الظن بالنفس يمنع كمال التفتيش عن عيوبها، ويُلبِّس عليك مثالبها، فترى المساوِئ محاسن، والعيوب كمالاً.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
فلا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو أجهل الناس بنفسه.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى إلى بعض ما فيه عليك مقال
إذا رأيت الهوى في أمة حكماً فاحكم هنالك أن العقل قد ذهبا