[هل آن الأوان للتوبة]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأصلي وأسلم على محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتَّابعين.
أما بعد:
عباد الله: وبعد هذا البيان من كتاب الرحمن عن صور الخزي والحسرة والخسران، هل آنَ لنا أن نُعِدَّ لهذا الموقف العظيم عُدَّته، ونعمل جاهدين على الخلاص من صفات أهل هذه المواقف المخزية.
آنَ لنا أن نخلص العبادة لله وحده، ونجرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
آن لنا أن نحذر من كل ناعق ملبِّسٍ خائن، يمكر في الليل والنهار قبل أن تقول نفس: يا حسرتاه، ولات حين مَنَاص.
آن الأوان للضَّعَفَة الأتباع أن يتبرءوا من متبوعيهم الظالمين المفسدين، فلا يكونوا أداة لهم في ظلم في دماء أو أموال أو أعراض؛ طمعاً في جَاهٍ أو حطام.
آنَ الأوان للإنابة والبراءة من الظالمين قبل أن يتبرءوا من تابعيهم بين يديْ الله، يوم ينقلبون عليهم فيلعن بعضهم بعضاً حيث لا ينفع لعن ولا ندم.
آن الأوان للمرأة المسكينة في زماننا اليوم أن تتنبه لهذه المواقف، فتتبرأ في دنياها اليوم من كل ناعق لها باسم الحرية والتَّمدُّن ومتابعة الأزياء والموضات، حتى لا تحقّ عليها الحسرة الكبرى عندما يتبرأ منها شياطين الإنس والجن الذين أضلوها، ثم لا يغنوا عنها من عذاب الله من شيء إلا الخصام والتلاعن المذكور في كتاب الله: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:٦٧ - ٦٨].
آن الأوان لأتْبَاع الطوائف الضالة المبتدعة أن يفيقوا ويدركوا خطر هذه المتابعة، التي ستنقلب حسرة كبرى وعداوة ولعنة بينهم وبين متبوعيهم يوم القيامة: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم من ناصِرِينَ} [العنكبوت:٢٥].
آن الأوان لمن أعطوا قيادهم لجلساء السوء والمفسدين في الأرض ومن هم دعاة على أبواب جهنم يسوقونهم إلى الرذيلة، ويفتحون قلوبهم للمكر والألاعيب والصَّد عن الفضيلة.
آن لهم أن ينتهوا ويقطعوا صلتهم بهم، وطاعتهم لهم ما داموا في زمن من مهلة وإمكان، وإن لم يقطعوها في الدنيا فهي لا شك منقطعة يوم القيامة، وستنقلب عداوة وخصاماً وحسرة: {الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧].
آن الأوان للمجاهرين عموماً بالمعاصي، والمجاهرين خصوصا برفع أطباق القنوات فوق البيوتات غير معظمين لشعائر الله والحرمات، مَن أشرعوا بيوتهم للضلال والمكر واللهو والعفن والتُّراهات بحجة الأخبار والمباريات.
يستقبل الأفكار في عُلَب الهوى والشر فيها لوَّع المستقبلُ
عُلَب يغلِّفها العدو وخَتْمُه فيها الصليب ونجمة والمنجلُ
آن لهم أن يعلنوها توبة عاجلة نصوحاً قبل الممات، وقبل يوم الحسرات بلا مبررات واهيات، فالحقائق ساطعات غير مستورات وإن تَعَامَتْها نفوس أهل الشهوات.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
وكل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر معافى إلا المجاهرين، وما من راعٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لهم، إلا حرم الله عليه الجنة، وكلكم راع ومسئول، وما كل راعٍ براع.
ما كل ذي لُبَدٍ بلَيْثٍ كاسر وإن ارتدى ثوب الأسود وزمجرا
يستخدم الشيطان كل وسيلة لكنَّه يبقى الأذل الأصغرا
{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:٢٧].
آن الأوان لمضيع وقته أمام ما تبثُّه هذه القنوات من محرمات أن يتوب ويئوب.
آن الأوان لمن عَقْله في أذنيه، ولُبّه في عينيه، من أَثَّر البهتان فيه، وانطلى الزور عليه، أن يتوب قبل أن يقف أمام الله، فتشهد الأعضاء والجوارح، وتبدو السوءات والفضائح، فيُخْتم على فمه، وتتكلم يده، ويشهد سمعه وبصره وجلده بما كان يكسب، ثم لا تكون إلا الحسرات، فما تغنِ الحسرات {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مما تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم منَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٢ - ٢٤].
يا ابن سبعين وعشر وثمان كاملات غرضاً للموت مشغولاً ببث القنوات
وَيْكَ لا تعلم ما تُلقى به بعد الممات من صغارٍ موبقات وكبارٍ مهلكات
يا بن من قد مات من آبائه والأمهات هل ترى من خالد من بين أهل الشهوات
إن من يبتاع بالدين خسيس الشهوات لغبي الرأي محفوف بطول الحسرات
عباد الله: في يوم القيامة يبحث كل إنسان عن أي وسيلة مهما كانت ضعيفة واهية لعلها تصلح لنجاته من غضب الله، ولذلك تكثر المناقشات والمحاورات بين الأباء والأبناء والأزواج والزوجات، والكبار المتسلطين والصغار التابعين، بين الأغنياء الجبَّارين والفقراء المنافقين، كل يحاول إلقاء التَّبعة على غيره، لكن حيث لا تنفع المحاورات، ولا الخصومات، ولا التَّنصُّل من التَّبِعات، ثم لا يكون إلا الحسرات.
إلى الله يا قومي فما خاب راجع إلى ربه يوماً وما خاب صابر
اللهم آنس وحشتنا في القبور، اللهم آنس وحشتنا في القبور، اللهم آمن فزعنا يوم البعث والنشور، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يُسْمع.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمضطهدين.
اللهم فرِّج همَّهم، ونفِّس كربهم، وارفع درجتهم، واخلفهم في أهلهم، اللهم أَزِلْ عنهم العناء واكشف عنهم الضُّر والبلاء، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء يا سميع الدعاء.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.