[عذاب أهل النار]
ثم تنصب الموازين ثم يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك.
فيقول: أخرج بعث النار من ذريتك.
قال: وما بعث النار من ذريتي يا رب؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، عند ذلك: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢].
تذكر يوم ينصب الميزان، ثم يقول الله للملائكة في سعي المجرم: {خُذُوهُ} [الدخان:٤٧] فيبتدره سبعون ألف ملك، كل ملك لو أذن الله أن يلتقم السماوات السبع والأرض في لقمة واحدة لفعل، فيتفتت في أيديهم ويقول: ألا ترحموني؟ قالوا: كيف نرحمك ولم يرحمك أرحم الراحمين: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:١٢ - ١٦].
أوقد عليها ثلاثة آلاف عام: ألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا يطفأ شررها: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات:٣٢] تشهق على الكافر شهقة البغلة الجوعاء إلى الشعير فلا يبقى ملك مقرب إلا خر على ركبتيه جاثياً، حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعامها زقوم وصديد، ومقامعها حديد.
إنها جهنم التي يكذب بها المجرمون، ما أشد عقابهم! وما أعظم عذابهم! {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت:٥٥] {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر:١٦] {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:٧١ - ٧٢] كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء-٥٦] إذا بلغ العذاب بهم مبلغه لجئوا إلى الله يستغيثون: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:٢٩] يلقي الله عليهم عطشاً عظيماً حتى تحترق أجوافهم ثم ينشئ الله لهم سحابة سوداء، ويقول: ما تبغون، ما تريدون؟ فيقولون: يا رب الشراب الشراب، يا رب الشراب الشراب.
فيمطرهم الله أغلالاً إلى أغلالهم، وسلاسل إلى سلاسلهم، وجمراً ونيراناً إلى جمرهم ونيرانهم.
ثم يأتون بعدها بالحميم، فلا إله إلا الله! أي أجسام تتحمل ذاك العذاب يا أيها الأحبة؟!! يؤتون بالحميم ليشربه ولابد له من شربه: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:١٧] قبل أن يشربه تسقط فروة وجهه عند قدميه من شدة حره، ولما يشربه بعد، ثم لابد له من شربه: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:١٧] فإذا شربه قطع أمعاءه وسلت ما في بطنه مع قدميه، فذلك قول الله: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:١٥] {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:١٧] يأتيه من تحت شعره ومن تحت أظفاره ومن تحت كل مفصل من مفاصله، تعلق نفسه عند حنجرته لا تخرج فيستريح ولا تعود إلى مكانها، يمشي على النار، لا يهدأ ولا ينام ولا يستريح، طعامه من النار، وشرابه من النار، وحياته في النار: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه:٧٤].
ثم يلجئون بعد ذلك إلى خزنة جهنم: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٤٩ - ٥٠] يتجهون بعدها إلى خازن النار إلى مالك، فيقولون: يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! قد نضجت منا الجلود، يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود.
فيرد عليهم بعد أربعين عاماً -كما قال الأعمش - يرد عليهم بعد أربعين عاماً فيقول: إنكم ماكثون.
فيلجئون إلى أرحم الرحمين، سبحانه وبحمده لا إله إلا هو، فيقولون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٦ - ١٠٨] فلا ينبس أحدهم ببنت شفة، لا يتكلم أحدهم بكلمة وإنما هو الشهيق والزفير، يبكون الدموع حتى تنتهي حتى لو أرسلت السفن في دموعهم ودمائهم لجرت، نسأل الله العافية والسلامة.
هذا جزاء المعرضين عن طاعة الله ورسوله، ذكرت ذلك ترهيباً لا ترغيباً؛ لأني أرى قلبي وقلوبكم قد قست، وقلوب الأمة كلها قد قست، فلابد يا أيها الأحبة أن نعود إلى القرآن، ولابد أن نعود إلى آيات القرآن لتلين القلوب فإذا لانت القلوب فأبشروا بخير أيها الأحبة.
أشبابنا فلتسمعوا مني النصيحة والعتاب
من مخلص في حبكم يرجو لكم حسن الثواب
يخشى على هذى الوجوه من الحميم من العذاب
أحبابنا لا تغضبوا فالحق أولى أن يجاب