ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية، في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين ما يلي -بتصرف- قال: وفيها توفي ابن عبد الرحيم -قبَّحه الله- هذا الشقي، كان من المجاهدين كثيراً في بلاد الروم، فلمَّا كان في بعض الغزوات، والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم؛ إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن، ما غضَّ بصره، والله يقول:{قُل للْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[النور:٣٠] أتْبَع النَّظْرة النظرة، والنظرة سهم مسموم من سهام إبليس، وكم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل والآلام والحسرات.
كان كمن أدخل في جحر يدا فأخطأ الأفعى ولاقى الأسْوَدَا
نظر فهَوِيَهَا، ثم راسلها؛ هل إليك من سبيل؟ فقالت: لا سبيل إلا أن تتنصر وتتبرأ من الإسلام، ومن محمد صلى الله وسلم على نبينا محمد فأجابها، وقال -ونعوذ بالله مما قال-: هو بريء من الإسلام، ومن محمد، وتنصَّرَ وصعد إليها.
لا إله إلا الله! نعوذ بالله من الحَوَر بعد الكَوَر، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى، نعوذ بالله أن نردَّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله.
المعاصي بريد الكفر، وكم من معصية جرَّت أختها وأختها وأختها، حتى كانت النهاية أن سُلب إيمان العبد، وهذا مَثَلٌ من الأمثلة.
ما راع المسلمين إلا وهو عندها، فاغتمَّ المسلمون لذلك غمّاً شديداً، وشق عليهم ذلك مشقة عظيمة، صَدْرٌ وَعَى القرآن يعود ليعبد الصُّلبان!
لما كان بعد فترة مرُّوا عليه، وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن، عليه ذلّ الكفر وغبرته وقترته، فقالوا: يـ ابن عبد الرحيم ما فعل علمك؟ ما فعلت صلاتك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعل القرآن؟
فقال في حمأة ذل الكفر: أُنْسِيتُه، ما معي منه سوى آيتين -لكأنه المَعْنِيُ بهما- {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الحجر:٢ - ٣] ولقد صار لي فيهم مال وولد؛ يعني: صار منهم: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:٨].
يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرِّف القلوب! اصرف قلوبنا إلى طاعتك، يا رب! ثبتنا على الإيمان، ونجِّنَا من سُبُل الشَّيطان، نسألك اللهم حُسْن الخاتمة؛ فهي وربي لحظات حاسمة، ونسأل الله لنا السعادة والفوز عند الموت بالشهادة.
بادر قبل أن تُبَادَر! هل تنتظر إلا غنى مطغياً، أو فقراً منسياً، أو هِرَماً مفنِّداً، أو موتاً مُجْهِزاً، أو الدَّجال فشَرُّ غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمَرُّ.