[سعة رحمة الله]
عُد إلى الله تجد الله تواباً رحيماً، إن الله يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١] وهو القائل سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آل عمران:١٣٥ - ١٣٦]، وهو القائل: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالى، يا بن أدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يُخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا
{يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} {يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم}.
اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، اللهم تب علينا، اللهم يا من رحمته وسعت كل شيء ارحمنا برحمتك.
الله عز وجل رحيم، والله عز وجل كريم، وسبقت رحمته غضبه.
ها هو سبيٌ يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين السبي امرأة ضيعت ولدها، تبحث عنه يميناً وشمالاً حتى وجدته، فضمته إلى صدرها ضمة الأم لابنها الذي أضاعته، والرسول صلى الله عليه وسلم يراقبها، فيقول لأصحابه: {أترونها طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا والله! وهى تستطيع ألا تطرحه.
قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها}.
فيا من رحمته وسعت كل شيء! ارحمنا برحمتك.
هاهو رجل من بنى إسرائيل مُوحِّد لم يشرك بالله شيئاً، ارتكب الموبقات؛ سرق وزنا وغش وارتكب السيئات، وحلت به سكرات الموت، ساعة الموت الذي يُذعن فيها الجبارون، ويذعن فيها المتكبرون، فجمع أبنائه في ساعةٍ لا ينفع فيها مال ولا ولد، وقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب.
قال: فوالله! ما عملت خيراً غير أني موحد لم أشرك بالله عز وجل، فإذا أنا مت فأضرموا النار ثم ضعوني فيها حتى أصبح رماداً، ثم اسحقوني، ثم ذروني مع الريح؛ فلأن لقيت الله ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين.
ومات الرجل، ونفذوا وصيته، حرقوه وسحقوه وذروه مع الريح، فتفرق على الجبال والسهول والوهاد والأشجار والأحجار، لكن الذي بدأه أول مرة أعاده، قال الله سبحانه وتعالى له: كن فكان كما كان.
قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟! أما تعلم أني أغفر الذنب وأستر العيب؟! قال: يا رب! خشيتك وخفت ذنوبي.
قال: فأشهدكم -يا ملائكتي- أني قد غفرت له وأدخلته الجنة.
يا من رحمته وسعت كل شيء! ارحمنا برحمتك.