بمثل هذا الدرس النبوي الشريف تشبعت روح عمر بمعاني الكمال، وأصبح في ذلك نعم المثال.
يدخل بيته ذات يوم وقد أصابه الجوع، فقال:[[أعندكم شيء؟ فقالت امرأته: نعم.
ما تحت السرير، فتناول وعاءً من تحت السرير فيه تمر فأكل ثم شرب من الماء ثم مسح على بطنه، وقال: الحمد لله، ويل لمن أدخله بطنه النار! ويل لمن أدخله بطنه النار!]] ونهدي هذه المقالة للذين لا يتورعون أأكلوا من حلال أو حرام؟ ويل لمن أدخله بطنه النار!
هاهو عمر والرهط المؤمنون معه أمام غنائم كسرى من الفرس؛ بساط كسرى وسواريه وجواهره وحلله وأمواله، وبينما هو كذلك إذ بعينه تذرف الدموع حَرَّى يكفكفها بطرف ثوبه؛ ويدهش الصحابة، ويقولون:[[ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فينهد باكياً قائلاً: فدت نفسي رسول الله هو الأحب إلى الله منا، فدت نفسي أبا بكر وهو عند الله خير منا، والَهْفَ نفسي! مَضَوا إلى الله وخلفونا، ولم يَرَوا من زهرة الدنيا شيئًا، ثم فُتِحَ علينا من الدنيا ما ترون، وأخشى أن تكون طيبات عجلت لنا]].
فضج المسجد بالبكاء فما تسمع إلا النشيج والحنين والأنين.