[مقارنة بين حالنا وحال السلف في الكلام فيما لا ينفع]
إن واقعنا حديثٌ بلا فائدة، وأسئلةٌ بلا نهاية، وتفصيل لا يفيد متحدثاً، ولا ينفع مستمعاً، ولا يُزَكِّي نَفْساً؛ تضيع الطاقات والأعمار سُدَى، وتلك داهيةٌ والله، وأدهى من ذلك من لا يكتفي بتضييع وقته في اللغو واللهو، حتى يشتريه بماله ويُضِل به ويَضِل، إنَّها الفاقرة، ونسأل الله العافية!
لقد خلق الله هذه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تقف أبداً ولا تسكن، فلابد لها من شيء تطحنه -كما يقول ابن القيم رحمه الله- فإِنْ وُضِعَ فيها حب طحنته، وإن وُضِع فيها تراب أو حصى طحنته، ولن تَبقى الرحى معطلة أبداً، بل لابد لها من شيء يُوضَع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتِبْناً، فإذا جاء وقت العجين والخبز تبين له حقيقة طحنه.
وكلُ ما يزرع الإنسان يَحصده فأَحْسِن الزرع يحسن حين يُحتصد
ورحم الله ابن بشار يوم قال -متحدثًا بنعمة الله عليه-: منذ ثلاثين سنة ما تكلمتُ بكلمة أحتاج أن أَعْتَذر عنها.
واسمع أخي لأحد السلف رحمه الله يوم أراد أن يطلق زوجته لأمر ما، فقيل له: ما يسوءك منها؟
قال: أنا لا أهتك ستر زوجتي، ثم طلقها بعد ذلك، فقيل له: لِمَ طلَّقتها؟ قال: ما لي وللكلام عن امرأة صارت أجنبية عني: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه}.
مجالسهم مثل الرياض أنيقة لقد طاب منها اللون والريح والطعم
كيف لو خطر ببال أحدنا أن يسجل ما يتحدث به في مجلس واحد؟!
إنه لا شك سيرى كمّاً هائلاً من الأوراق، ولو حاسب نفسه مُنْصفاً لوجد كثيراً من الزَّلات والسقطات، فنسأل الله الثبات والعفو والصفح عن الزلات.
إن نسيت فلا أنسى أن أنبه على أن مما يعنيك -بل يجب عليك- الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله -عز وجل- على بصيرة، ولو كَرِه ذلك الفُسَّاق والمجرمون، وقالوا: {من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} فإن المقياس ليس هواهم، بل شرع ربنا ومولاهم.
وما على العنبر الفواح من حرج إن مات من شمه الزبال والجعل
دع أخي ما لا يعنيك ولو كان مباحاً؛ فإنه تضييع لزمانك، واستبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير، وكم من كلمةٍ بُنِيَ بها قصر في الجنة، بل هي كنز من كنوز الجنة، وكم من أخرى باعدت بينك وبين السبل المفضية إلى الجنة، رزقنا الله وإياك الجنة بمنِّه.
لا يضع يومك في التيه كما ضيعت أمسك