نرى العاق لوالديه في أبأس الحالات بعيداً عن القلوب عند من يعلم حاله، لا يعطف عليه صديق ولا شقيق ولا قريب، لا يأخذ بيده كريم في كربه، ولا يرغب أحد في مصاهرته خشية أن يأتي بأولاد فيكونوا مثله عاقين، ثم إن الله سبحانه وتعالى من عدله وكرمه يجازيه من جنس عمله؛ فكما عق أباه وأمه فيهيء الله له من يذيقه ذلك عاجلاً والآجل بيد لله عزَّ وجلَّ، وهاكم مثالاً على ذلك:
ذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير امتدت به الحياة حتى تأفف من خدمته ومن القيام بأمره، فأخذه في يوم من الأيام على دابة، وخرج به إلى الصحراء فلما وصل به إلى صخرة هناك أنزله، فقال: يا بني! ماذا تريد أن تفعل بي هنا؟ قال الابن العاق: أريد أن أذبحك -لا إله إلا الله ابن يذبح أباه! - قال الأب: أهذا جزاء الإحسان يا بني؟ قال: أتعبتني ولا بد من ذبحك، قال الأب: إن أبيت إلا ذبحي فاذبحني عند تلك الصخرة.
قال: ولم يا أبتِ؟ ما ضرك لو ذبحتك عند هذه أو عند تلك الصخرة؟ قال: يا بني! لقد كنت عاقاً لوالدي وذبحته عند تلك الصخرة! فإن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند تلك الصخرة ولك -والله- يا بني مثلها، ولك والله يا بني مثلها.
إن امتدت بك الحياة سيأتي ولدك ويذبحك عند تلك الصخرة، ومن يعمل سوءاً يجز به ولا يظلم ربك أحد.
حصادك يوماً ما زرعت وإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن