للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الذب عن أعراض العلماء وبيان عظم حرماتهم]

من هتك ستر عالمٍ وتكلم فيه بغير حق، ابتلي بسوء ذنبه، وقد يختم له بخاتمة السوء حين مصرعه، كما قال ابن عساكر: وعادة الله في هتك أستار منتقصي العلماء معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب؛ ابتلاه الله قبل موته بموت القلب: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣] تلك والله -معشر الإخوة والأخوات- سيما ضعاف النفوس، يشعرون دائماً بضآلة أنفسهم، فيسعون إلى هدم القمم الشماء لتتساوى الرءوس في الحفر، لا يرون الصعود إلا على أشلاء العمالقة الجهابذة العلماء العاملين، فواحدهم يصدق عليه قول القائل:

فكالهر يخشى شرب ماءٍ بجدول ويشرب من أوساخ ماءٍ بحفرة

ومن ثم ينصبون مشانق الطعن والتجريح لإلغاء الثقة في العلماء العاملين، لو رأيتهم يتواثبون ويقفزون -والله أعلم بما يوعون- لأدركت فيهم الخفة والطيش في أحلام الطير:

صم ولو سمعوا بكم ولو نطقوا عميٌ ولو نظروا بهتٌ ولو شهدوا

كأنهم إذ ترى خشبٌ مسندةٌ وتحسب الركب أيقاظاً وما رقدوا

يتداولون غيبة العلماء ويتعاطونها فيما بينهم، ويدار عليهم بها كما يدار بكأس الماء على العطشى، فمقلٌّ ومستكثر،

فعابوا أموراً يعلم الله أنهم أحق بها وصفاً وأولى بعيبةِ

فواحدهم يلقي الكلام مجازفاً على حسب ما يأتي بغير روية ِ

لحوم العلماء مسمومة؛ من شمها مرض، ومن أكلها مات، لحوم أهل العلم مسمومة، ومن يعاديهم سريع الهلاك

فكن لأهل العلم عوناً وإن عاديتهم يوماً فخذ ما أتاك

البلاء موكلٌ بالمنطق، والجزاء من جنس العمل، وكم طاعنٍ ابتلي بما طعن.

يقول أحد السلف: إني أجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني من قوله إلا مخافة أن ابتلى.

لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن

يحكى أن رجلاً كان يجرئ تلامذته على الطعن في العلماء وإهانتهم وتتبع زلاتهم، وذات يوم قام يتكلم بكلامٍ لم يرق لأحد طلابه، فقام إليه ذلك الطالب، فصفعه على رءوس الأشهاد، ليقول بلسان الحال: حصادك يوماً ما زرعت: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:١٨٢].

إن السعيد لمن له من غيره عظة وفي التجاريب تحكيمٌ ومعتبر

وكم من حروفٍ تجر الحتوف!

من خاض في أعراض العلماء، ودعا إلى ذلك، فقد سن سنةً سيئةً، عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فالدال على الشر كفاعله، والسعيد من إذا مات ماتت معه سيئاته، قال الله: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:١٢].

وما من كاتبٍ إلا سيلقى غداة الحشر ما كتبت يداه

وما من قائلٍ إلا سيلقى غداة الحشر ما نطقت شفاه

العلماء حراس الديانة الأمناء، والغض من مكانة الحارس معناه استدعاء اللصوص، العلماء عقول الأمة، والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرةٍ بالبقاء، العلماء حملة الشريعة وورثة الأنبياء، والمؤتمنون على الرسالة، حبهم والذب عنهم ديانة، ما خلت ساحة من أهل العلم إلا اتخذ الناس رءوساً جهالاً يفتونهم بغير علم، فيعم الضلال، ويتبعه الوبال والنكال، وتطل عندها سحب الفتن تمطر المحن، ومن الوقيعة ما قتل، فنعوذ بالله من الخطل، وما عالم برع في علمه يؤخذ بهفوته، وإلا لما بقي معنا عالم قط، فكلٌ رادٌّ ومردودٌ عليه، والعصمة لأنبياء الله ورسله، والفاضل من عدت سقطاته، وليتنا أدركنا بعض صوابهم، أو كنا ممن يميز خطأهم على الأقل، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث

وما عبر الإنسان عن فضل نفسه بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضل

وليس من الإنصاف أن يدفع الفتى يد النقص عنه بانتقاص الأفاضل

وكم من حروفٍ تجر الحتوف!