هاهو غلامٌ أسودٌ راعٍ يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصرٌ لبعض حصون خيبر، معه غنم هو أجيرٌ فيها لرجلٍ من يهود، فقال: يا رسول الله، اعرض عليَّ الإسلام، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يعرض عليه الإسلام، فعرض عليه الإسلام فأسلم وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وباح الصباح بأسراره وحرُّ الهوى في حشاه استعر
قال: يا رسول الله! إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم، وهي أمانةٌ عندي، كيف أصنع بها؟ فقال صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه:{اضرب في وجوهها ترجع إلى ربها، فقام فأخذ حفنة من حصى، فرمى بها في وجوه الغنم، وقال: ارجعي، لا أصحبك والله أبداً، فخرجت كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت حصن اليهودي، ثم تقدم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل، فأصابه حجرٌ، فقتله وما صلى لله صلاةً قط، لم يكن بين إسلامه وقتله صلاة، فيؤتى به ويوضع خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسجى بشملةٍ كانت عليه، ثم يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفرٌ من أصحابه، ثم يعرض عنه، فقالوا: يا رسول الله! لم أعرضت عنه؟ فقال فيما روي عنه: إن معه الآن زوجتيه من حور العين}.
تحول عنه الأذى وانتهت صروف الحياة وأشجانها
سقاه الغوادي رحمانها وحياه بالخلد رضوانها
وحور الجنان وولدانها
هكذا يا معاشر المسلمين أبصر نور الهداية أسود راعٍ مملوك، بينما حجبت عن علماء أهل الكتاب في حصونهم مع أنهم يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، ليسوا للهداية بأهل:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ}[الأنفال:٢٣] اتبعوا الهوى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}[القصص:٥٠] زاغوا: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥] وكتموا الحق وهم يعلمون، فبئس ما يصنعون.
إذا ما تردى في الضلالة جاهلُ فما عذر من يأبى الهدى وهو عارفُ
يظنون ألن ينسف الله ما بنوا ولن يثبت البنيان والله ناسفُ
سيلقون بؤساً بعد بؤسٍ ومحنةً فلا العيش فياحٌ ولا الظل وارف