هاهم سلفنا -أيها الأحبة- قلوبهم بالخوف وجلة، وأعينهم باكية، يقول قائلهم: كيف نفرح والموت وراءنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى الصراط مرورنا، والوقوف بين يدي الله مشهدنا، كيف نفرح؟! {كَانُوا قَلِيلاً من اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:١٧ - ١٨].
يأتي أحدهم إلى فراشه فيلمسه في الليل، فإذا هو ناعم لين، فيقول مخاطباً فراشه: يا فراشي -والله- إنك لليِّنٌ، ولكن فراش الجنة ألْيَنُ.
ثم يقوم ليله كله حتى يصبح:{كَانُوا قَلِيلاً من اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:١٧ - ١٨].
يناجي أحدهم ويقول: يا قوم -والله- لا أسكن ولا يهدأ روعي حتى أترك جسر جهنم ورائي، والله لا أهدأ ولا أسكن حتى أترك جسر جهنم ورائي.
ويجب أن نكون كذلك.
كانوا إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وكادت أن تنخلع خوفاً من الله جل وعلا، خافوا الله جل وعلا فأمَّنَهم؛ فهو القائل كما في الحديث القدسي:{وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفيْن، ولا أجمع له أمنيْن؛ إن أمنني في الدنيا خوَّفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمَّنته يوم القيامة}{وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران:٢٨].
كان لسان حال الواحد من سلفنا وهو يناجي ربه في ثلث الليل الآخر، ثلث الآيبين ثلث التوابين ثلث المستغفرين، ثلث المخطئين ثلث النادمين الذي ضيعناه، والذي سهرنا إلى تلك اللحظة ثم رمينا أنفسنا كالجِيف، ونسأل الله أن يعاملنا برحمته، وإن عاملنا بعدله لعذبنا، ثم لم يظلمنا سبحانه وبحمده، كان لسان حال الواحد منهم:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا وقمت أشكو إلى مولاي ما أجدُ
وقلت يا أملي في كل نائبة ومن عليه بكشف الضر أعتمدُ
أشكو إليك ذنوباً أنت تعلمها مالي على حملها صبر ولا جَلَدُ
وقد مددت يدي بالذل معترفاً إليك يا خير من مدَّت إليه يد
فلا تردَّنها يا رب خائبة فبحر جودك يروي كل مَن يرِدُ