الرابعة عشر: كُن طبيبًا رفيقًا يضع دواه حيث ينفع؛ بمعنى: لا تضع العلم عند غير أهله فتُجهَّل، ولا تمنع العلم أهله فتَأْثم؛ من الناس من يطلب العلم لشرٍ كامن، ومكرٍ باطن، فيستعمله في شُبَهٍ دينية، وتَلْبِيس دنيء، وحيلٍ فِقهية، فلا يعان على إمضاء مكره، وإكمال شره، بل مُهان غيْرُ مُكَرم يُحْرم، ومنهم من هو بليد الذهن، بعيد الفِطنة، فلا يُحمل عليه بكثير العلم فيُظْلَم، ولا يُمنع من اليسير فيُحرم، وإنما يَنفع سَمعُ الآذان إذا قَوِيَ فهم القلوب في الأبدان، وقد صَدَق القائلُ ونصح يوم قال:
لا تؤتين العلم إلا امرأ يعين باللب على درسه
ويُمنع من كثيره -أيضاً- السُّفهاء، الذين إنْ سكتَّ لم يسألوك، وإنْ تكلمت لم يَعُوا عنك، وإنْ رأوا حَسَناً دفنُوه، وإنْ رأوا سيِّئاً أذاعوه.
فإذا حَمَلتَ إلى سفيه حِكمةً فلقد حَمَلتَ بضاعة لا تنفق
وهذا كله يحتاج إلى فِراسة ومُمارسة ومِران واختبار، من خلاله يُتوسَّم المتعلم حقاً من غيره، كفِراسة ابن عباس رضي الله عنهما يوم قال:[[ما سألني سائل إلا عرفت أفَقِيهٌ هو أم غير فَقِيه]].
أو كفراسة الأعمش رحمه الله يوم رأى شعبة رحمه الله يحدِّث قوماً يرى أنهم غير أهل للحديث، فقال: ويْحك يا شعبة! تُعَلِّقُ اللؤلؤ على الخنازير!
فإن عناء أن تفهم جاهلاً يظن اقتئاتاً أنَه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فلا تحدِّث بالحكمة عند السُّفهاء فيكذبوك، ولا تحدِّث بالباطل عند الحكماء فيَمقتوك، إنَّ واضع العلم في غير أهله كمقلِّد الخنازير اللؤلؤ والجوهر، فلِكلِّ تربة غَرْس، ولِكلِّ بناء أُس.
فجرد السيف في وقتٍ يفيد به فإن للسيف يوماً ثم ينصرم