يا عبد الله: تأمل حال أبيك يجوب الأرض يميناً وشمالاً يطلب الرزق لك وأنت لا تشعر بذلك، إن هذا الأمر لأمر يجب على العاقل أبداً، وإن هناك من نسي ذلك مع الأسف، تبرأ من والديه، وخجل من وجودهما في بيته أمام زملائه، وربما سأل عن بعضهم؟ فقال لأبيه: هذا خادم عندنا لأنه يتوهم أن أباه لا يتناسب مع مركزه ووظيفته وأصحابه، إنما هذه صفاته، سخيف العقل، قليل الدين؛ لأن النفس الشريفة تعتز بأصلها ومنبتها، وإن هناك أيضاً من النساء -ومع الأسف- من إذا سئلت عن أمها، قالت: إنها خادمة أو طباخة، نعوذ بالله من الانتكاس وعمى البصيرة.
واسمعوا إلى العقوق، واسمعوا إليه في الماضي وقد سمعتم صوراً منه في الحاضر، اسمعوا لشاب اسمه: منازل كان منكباً على اللهو لا يفيق عنه، وكان له والد صاحب دين، كثيراً ما كان يعظ هذا الابن، ويقول له: يا بني! احذر هفوات الشباب وجنونه وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، فكان إذا نصح هذا الابن العاق زاد في العقوق وجار على أبيه، ولما كان يوماً من الأيام ألح الأب عليه بالنصح كعادته فمد الولد يده على أبيه فضربه، ذهل الأب وتجرع غصصه، ثم حلف بالله ليأتين بيت الله فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على هذا الولد العاق، خرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة ثم أنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا عرض المهامه من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخيب من يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد عن عققي فخذ بحقي يا رحمان من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه يا من تقدس لم يولد ولم يلد
فما أن فرغ من دعائه حتى يبس شق ولده الأيمن، نعوذ بالله من العقوق وقساوة القلوب.
كل الذنوب يغفرها الله ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا العقوق فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات.