[من آثار الإيمان: نبذ العصبيات والنعرات الجاهلية]
من آثار الإيمان: نبذ كل ما يفرق الأمة من قوميات وعصبيات وعنصريات ونَعَرَات جاهلية؛ فالمقياس عند المؤمنين حقاً؛ التقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اخوة} [الحجرات:١٠] لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، جسد مؤمن واحد، بنيان واحد، أمة واحدة، لا شرق ولا غرب.
لو كبرت في جموع الصين مئذنة سمعت في الغرب تهليل المصلين
أبا سليمان قلبي لا يطاوعني على تجاهل أحبابي وإخواني
إذا اشتكى مسلم في الهند أرَّقني وإن بكى مسلم في الصين أبكاني
ومصر ريحانتي والشام نرجسي وفي الجزيرة تاريخي وعنواني
أرى بخارى بلادي وهي نائية وأستريح إلى ذكرى خراسان
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صُلْب أوطاني
شريعة الله لَمَّتْ شملنا وبنت لنا معالم إحسان وإيمان
يقول صلى الله عليه وسلم كما روى أبو داود وحسنه محققُ جامع الأصول {إن من عباد الله أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على قُرْبهم ومكانتهم من الله، قال صحابة رسول الله: من هم يا رسول الله؟ قال: هم أناس تحابّوا بروح الله على غير أرحام فيما بينهم، ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم، فوالله! إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس}.
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:٦٢].
يقع في يوم من الأيام بين أبي ذر رضي الله عنه وبلال رضي الله عنه خصومة، فيغضب أبو ذر وتفلت من لسانه كلمة يقول فيها لـ بلال: يا بن السوداء! فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام ثم يعير بالعصبيات والعنصريات والألوان، ويذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويشكو أبا ذر.
ويستدعي النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر، فيقول -كما في الحديث المتفق على صحته-: {أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية}، فيتأثر أبو ذر ويتحسَّر ويندم، ويقول: [[وددت -والله- لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ويضع خده على التراب ويقول: [[يا بلال! ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه]] فتذرف عينا بلال رضي الله عنه الدموع، ويقول: [[يغفر الله لك يا أبا ذر! يغفر الله لك يا أبا ذر! والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين]]، ويعتنقان ويبكيان؛ ذهب ما في القلوب، وانتهى ما في القلوب، والشاهد: {إنك امرؤ فيك جاهلية}.
يأتي سهيل بن عمرو، ويأتي أبو سفيان رضيَ الله عنهما، إلى أين يأتون؟ يأتون إلى مجلس عمر رضيَ الله عنه وأرضاه الذي لا يدخله إلا المؤمنون حقاً، فيستأذن أبو سفيان -وهو سيد من سادات قريش، بإشارة تتحرك ألوف، وبإشارة منه أخرى ترعد أنوف- يأتي إلى هذا المجلس فلا يؤذن له، وهو مسلم رضى الله عنه وأرضاه بعد إسلامه.
ويأتي سهيل بن عمرو -وهو سيد من سادات قريش- ويستأذن في الدخول على عمر فلا يؤذن له، ويأتي بلال الحبشي الذي أكرمه الله بالإسلام فيؤذن له، ويأتي صهيب الرومي فيؤذن له، ويأتي سلمان الفارسي فيؤذن له كذلك، فماذا كانت النتيجة؟
كان من أبي سفيان رضى الله عنه أن تأثر وتذمَّر وتنمَّر، وقال: [[والله! ما ظننت أن أُحْبس على باب عمر، ويدخل هؤلاء الموالي قبلي]] فقال سهيل -وكان لبيباً عاقلاً-: [[والله! ما علينا أن نحبس على باب عمر، ولكن -والله- أخشى أن نُحْبسَ على أبواب الجنة ويدخل هؤلاء، لقد دعوا إلى الإسلام فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا وتأخرنا، فما علينا أن نحبس على باب عمر، إنما علينا أن نحبس على أبواب الجنة]]، أو كما قال.
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]
أنا مسلم وأقولها مِلء الورى وعقيدتي نور الحياة وسؤددي
سلمان فيها مثل عمر لا ترى جنساً على جنس يفوق بمحتدي
وبلال بالإيمان يشمخ عزة ويدق تيجان العنيد الملحد
وخبيب أخمد في القنا أنفاسه لكن صوت الحق ليس بمُخْمدِ
ورمى صهيب بكل مال للعدا ولغير ربح عقيدة لم يقصد
إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرة أقوى وألف مهند