للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثمامة بن أثال ومفاصلته للكفر وأهله]

أخرج الشيخان {أن ثمامة سيد أهل اليمامة وقع في الأسر ورُبط في سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم إساره، ثم قال: أطلقوا ثمامة، فرغب في الإسلام، وتغيرت الصورة القاتمة التي كان يحملها عن الإسلام إلى صورة مشرقة استنارت بها بصيرته، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد وشهد الشهادتين، ثم قال: يا رسول الله! والله ما كان على وجه الأرض وجه ولا دين ولا بلد أبغض عندي من وجهك ودينك وبلدك، فقد أصبحت أحب الوجوه كلها، والدين كله، والبلاد كلها إلي، يا رسول الله! إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فما ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر}.

انجلت الرغوة عن اللبن الصريح ولا يصح إلا الصحيح، محيت ألوان الغشاوة التي كانت مهيمنة على قلبه، فأعلن بدء تاريخ جديد يمحو به آثار ما سلف، ويتميز به ويفاصل في عزة وأنف.

رُوي أنه قدم مكة فلبى، فأخذته قريش، وقالوا: [[لقد اجترأت علينا والله لولا ما بيننا وبينك لقتلناك، أصبوت؟! قال: ما صبوت ولكني أسلمت لله، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم]].

حاله:

ولقد وجدت ولاء قوم سُبةً فاجعل ولاءك للعزيز الأكرم

لم يكن بائع كلام، ولا مكثر أوهام، قام بتنفيذ التهديد، ومنع عنهم الحنطة حتى اضطروا خاضعين إلى أن يكتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ متوسلين قائلين: [[إنك تأمر بصلة الرحم، وقد قطعت أرحامنا قتلت آباءنا بالسيف وأبناءنا بالجوع]] فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمح لهم بحمل الحنطة إلى مكة، فامتثل وفعل، كيف ورسول الله قد أمر.

ولو تقطع جذع عن منابته ماتت على غصنها تلك العناقيدُ

مفاصلة حاسمة، وفكر نزيه، وتميز صريح، وهدىً صحيح، خاب من قال فلم يفعل، فما يفلح القائل حتى يفعل.

إنه التميز الذي جعل من ذلك الشاعر الذي كان يستعدي على المسلمين، ويسمهم بالسفه وسوء الاختيار قبل إسلامه، يستعلي على تلك الكلمات والموروثات التي كان يفاخر بها؛ قيل له بعد إسلامه: [[أنشدنا من شعرك؟ فقال: لقد أبدلني الله من الشعر الزهراوين: البقرة وآل عمران، لا أستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير]] تميز محسوس، وتحول ملموس، ولا يكابر في المحسوس إلا ممسوس

قد فاته أن الهداية بلسمٌ ومذاق طعم الشهد لن يتغيرا