[فائدة أخبار العلماء]
هذه الأخبار هلاّ كانت -أيها الأحبة- مجلاة للقلوب من الصدأ والكسل، ومدعاة لتحريك الهمة للجد والعمل، أنتم كهم ومن يشابه أبه فما ظلم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبُّه بالكرام فلاح
قوموا اقرعوا بالعلم أبواب العلى لا تقصروا عن همة القرَّاع
واستعذبوا شوك المنايا في اجتنا ورد الأماني رائق الإيناع
وتعلموا فالعلم معراج العلا ومفاتح الإخصاب والإمراع
وإذا علمتم فاعملوا فالعلم لا يجدي بلا عمل بحسن زمام
ثم إن لكل شيء ثمرة، وثمرة العلم العمل والتبليغ، وعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر
هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل
ومن كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة، وما أحوج الأمة في حاضرها إلى الدعوة إلى الله جل وعلا.
ما أحوج الأمة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى بصيرة، وعلى علم مستوعب للشرع والواقع والبيئة وأحوال الناس.
إن تبليغ هذا الدين، يروض النفوس ويكسبها الصبر، ويكسبها الحلم والطمأنينة والسكينة؛ إذ إنه لابد من مخالطة المدعوين، ولابد من الصبر على أذاهم، والحنو عليهم لانتشالهم مما هم فيه، ومن يبني غيره هو أحق بأن يكون ثابت البناء، لا يُزحزَح بسهولة.
إن سفينة الأمة تتقاذفها الأمواج يمْنَة ويسرة، ويخرق فيها المفسدون كل يوم خرقاً؛ فإن لم تجد من يصلح تلك الخروق، فلربما تتحطم السفينة، وتغرق ولاشك، وسيغرق من على ظهرها، وركابها بحاجة إلى أن يكونوا على قدر كبير من الوعي والبناء واليقظة لما يراد بهم، وبإصلاح النفوس تصلح السفينة وتسلم ولاشك.
هاهو رجل من الصالحين في مدينة الرياض -كما ذكر من نحسب أنه ثقة- يقول: كان له عمل مسائي، وهذا العمل المسائي امتد لمدة شهر، يقول: فكنت أمُرُّ على أحد الأرصفة فأجد عليها أربعة من شباب هذه الأمة يلبسون من الثياب ما يستحيي إبليس أن يلبسه، ومعهم من آلات اللهو ما ينزه المقام عن ذكره.
قال: فكنت أتأثر لحالهم، وأذهب لعملي قال: وجئت في اليوم الثاني، وإذ هم على آلات اللهو، وفي جلسةٍ اللهُ يعلمها قال: وأتأثر لذلك، وشهر كامل وأنا أمر عليهم على هذا الرصيف.
قال: فجئت في ذلك اليوم، وقلت: والله لئن جلسوا إلى الغد لآتين إليهم ولأذكرنهم بالله -الذي لا إله إلا هو-.
قال: وجئت في اليوم الثاني وانطلقت لعملي.
قال: ومررت فإذا الأربعة على ما هم عليه.
فأوقفت سيارتي بعيداً عنهم.
ثم تقدمت إليهم وئيدَ الخُطى؛ علَّهم أن يعدلوا من جلستهم، أو يغيِّروا من بعض المنكرات التي هم عليها.
قال: فقاموا فأدخلوا العود في السيارة، وأطفئوا ما معهم من سجائر، وأطفئوا الموسيقى، وجلسوا جلسة معتدلة.
قال: فتقدمت إليهم، وسلمت عليهم واستأذنت، فأذنوا لي.
قال: فجلست إليهم، وقلت: أنتم تعلمون لِمَ جئت، يا أيها الشباب! أنتم أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم وأرضاهم- أرأيتم لو انحرفت سيارة من هذا الشارع، ثم ارتطمتْ بكم وأنتم على هذا الحال، أيسركم أن تلقوا الله بذلك؟ ثم ذكرتهم بالقبر والمصير الذي ينتظرهم، ثم ذكرتهم بوقوفهم بين يديْ الله عز وجل، وبمصيرهم إما إلى الجنة وإما إلى النار، قال: وإذا بدموعهم تنزل على خدودهم، وإذ بأحدهم يقول: وشهر وأنت تمر علينا، لا سامحك الله.
قال: ولم؟ قال: أرأيت لو أخذنا الله قبل هذه الليلة، والله لا نسامحك بين يديْ الله جل وعلا.
يقول هذا الأخ: فإن الأربعة لأئمةُ مساجد الآن.
إن الأمة لأحوج ما تكون إلى كلمة: اتقوا الله عودوا إلى الله أيسرُّكم أن تلقوا الله بم أنتم عليه من المنكرات.
كلمات بسيطة، لكن الله عز وجل إذا علم من قائلها الصدق نفع الله عز وجل بها.