[مواقف دلت على حب رسول الله]
أما سعد بن الربيع فهو في آخر رمق يجده زيد بن ثابت بين القتلى، وإذا به يقول: [[بلِّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، وقل له: إني لأجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شِفْر يطرف]].
والآخر يقول يوم أحد وقد كان يقوم النبي صلى الله عليه وسلم ويجالد فيقول: [[لا تشرف يصبك سهم، نحري دون نحرك يا رسول الله!]]
أحبوا فامتثلوا أوامره وبينما بعضهم يصلي صلاة العصر إذ حولت القبلة إلى الكعبة، فمرَّ عليهم رجل صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {أشهد أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وُجِّه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم}.
نزل تحريم الخمر: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:٩١] فأريقت الخمر حتى جرت بها سكك المدينة ولسان حالهم ومقالهم: انتهينا انتهينا.
خلع صلى الله عليه وسلم نعليه وهو يصلي فألقوا نعالهم وراءه، فسألهم: {لم فعلتم ذلك؟ قالوا: رأيناك ألقيت فألقينا، فأخبرهم أن جبريل أتاه فأخبره أن فيهما قذراً}.
يقول يوماً وابن رواحة قادم إلى المسجد يريد الدخول: اجلسوا عباد الله! أو كما قال صلى الله عليه وسلم فيجلس ابن رواحة خارج المسجد، ما وسعه إلا الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتتبع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فيفعلها حبّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالحب اتباع لا ابتداع.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بذهب إلى عمر ويقول له: [[انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها.
قال: فلما انتهينا إليها ورأتنا بكت، فقال لها أبو بكر: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم.
قالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله، ولكن أبكي لأن الوحي انقطع من السماء بموته صلى الله عليه وسلم، ثم انفجرت تبكي رضي الله عنها، فهيجتهم على البكاء، فجعلا يبكيان معها]] إيه يا أم أيمن.
يا أم أيمن قد بكيتِ وإنَّنا نلهُو ونمجنُ دونَ معرفةَ الأدب
لم تبصري وضع الحديثِ ولا الكذب لم تبصري وضع المعازفِ والطرب
لم تشهدي شرب الخَمور أو الزنا لم تلْحَظِي ما قدْ أتانا من عطَب
لم تلحظي بدعَ الضلالةَ والهوى لولا مماتُك قدْ رأيتِ بنا العَجَب
لم تعلمي فعل العدو وصحبِهم ها نحن نجْثُو لليهودِ على الرُّكَب
واحرَّ قلبي من تَمَزُّقِ جَمعِنا أضحتْ أمورُكِ -أمتي- مثلَ اللعب
تالله ما عَرفَ البكاءُ صراخَنا ومع التباكي لا وشائجَ أو نَسَب
كيف لا يحبونه وقد أخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربه، فكان لهم قائداً ومربياً وأباً ورسولاً نبياً، وسراجاً منيراً؟!
ولن يؤمن أحد حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من ماله وولده وأهله ونفسه والناس أجمعين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧] وذلك هو الحب أيها الأحبة.
إن هذا الحب العميق لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدته، ومع مفاداتهم له بالنفس والنفيس، فإن عقائد المسلمين استقامت بفضل الله، ولم يتجاوزوا صفة النبوة، ولم ينسبوا إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم صفة الألوهية، ولم يعبدوه من دون الله، بل كان صوته يجلجل في عقولهم ويرددون قوله: {أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} القرآن يذكِّر ببشريته: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:١١٠] والقرآن يذكر أنه يصيبه ما يصيب البشر: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] فالاتباع خير لو كانوا يعلمون.