للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[سوق أهل الجنة]

وكأني بكم تقولون: هل في الجنة سوق؟

ولا إله إلا الله -أيها الإخوة- كيف حال أسواقنا هذه الأيام؟

أسواقنا أشغلت المصلين عن صلاتهم، وأشغلتهم عن ذكر الله حتى يوم يُذكر الله يهربون من المساجد إلى الأسواق، إلى مجتمع الشياطين، أسواقنا فيها ما لا يعلمه إلا الله، ونسأل الله أن يعدل حال هذه الأسواق، وأن يرد الأمة إليه رداً جميلاً؛ فما حالها في أسواقها بل حالها سيء في كثير وكثير، لكن نسأله برحمته أن يردنا إليه رداً جميلاً.

وأهل الجنة لهم سوق لكن أي سوق يا عباد الله؟

سوقهم يوم الجمعة، فيوم الجمعة من شرفه أنه سوق -أيضاً- لأهل الجنة؛ فيأتون كل جمعة، فيركبون نجائبهم، ودوابهم من ذهب وفضة ولؤلؤ إلى كثبان المسك، فيجلسون عليها، ثم يأتيهم الريح، فتأخذ من كثبان المسك، فترمي في وجوههم، وفي نواصي خيلهم ونواصي دوابهم، فيرجعون إلى أهلهم، وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول أهلهم وزوجاتهم من الحوريات: والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم -والله- بعدنا لقد ازددتم حسناً وجمالاً.

هذا هو سوق أهل الجنة، سوق أهل الجنة يا من أشغله سوق الدنيا عن طلب سوق الجنة! اتق الله، وتاجر مع الله، وإياك إياك أن تقصر رجلك عن مثل هذه المجتمعات، ومثل هذه الروضات، كم من إنسان قصر رجله عن مثل هذا المسجد، فقصرت به قدمه وزلَّت به من على الصراط إلى كلاليب النار.

نسأل الله العافية والسلامة.

يُعد الله -عز وجل- للذين يأتون إلى المساجد نزلاً في الجنة كلما غدوا وكلما راحوا فضلاً منه ونعمة.

نعيم الجنة لا ينفد، نعيم الجنة لا يبيد، نعيم الجنة لا يوصف، وإن من أعظم نعيم أهل الجنة -يا أيها الإخوة- حلول رضوان الله جل وعلا على عباده في الجنة، هذا من أعظم النعيم الذي ينالونه، وأعظم من ذلك التلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم جلّ جلاله وتقدست أسماؤه.

ذلك اليوم يسمى يوم المزيد، يوم زيارة العزيز الحميد، تصور نفسك والله -عز وجل- يستزيرك ويزورك، لا إله إلا الله!

استمع ومَثَّل نفسك في روضات الجنة يوم يأتيك المنادي ينادي أنت وأهل الجنة: يا أهل الجنة! إن ربكم يستزيركم، فحي على زيارته.

لا إله إلا الله! من الزائر جل جلاله، وتقدست أسماؤه، سبحانه لا إله إلا هو! يقولون: سمعاً وطاعة.

وينهضون إلى الزيارة مبادرين، وإذ بالنجائب أعدت لهم، فيستوون على ظهورها، وينهضون، فيستوون إلى الوادي الأفيح المبارك على كثبان المسك الذي جُعل لهم موعداً، ثم يأمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فيُنصب، ثم يأمر بمنابر لأهل الجنة منابر منوعة على قدر الأعمال من ذهب، من فضة، من لؤلؤ، من نور، من ياقوت، من زبرجد، وأدناهم -وما فيهم دنيء- على كثبان المسك؛ فلا إله إلا الله! ما أعظم نعيم الله في الجنة!

حتى إذا استقروا في مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي مرة: يا أهل الجنة! إن لكم موعداً عند الله يريد أن يُنجزكموه، فيقولون -وقد رضوا بما أتاهم من النعيم-: ألم يثقل موازيننا سبحانه وبحمده؟ ألم يزحزحنا عن النار؟ ألم يدخلنا الجنة؟ ألم يبيض وجوهنا؟ فبينا هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم؛ فإذا الجبارجل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم، فيردون بصوت واحد: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

ثم يضحك الله لهم -يقول أحد الأعراب: لا نعدَم خيراً من رب يضحك- ثم يقول: يا أهل الجنة! يا من أطاعوني بالغيب ولم يروني هذا يوم المزيد؛ فسلوني.

فيقولون: ربنا قد رضينا فارض عنا.

قال: لو لم أرضَ عنكم لم أسكنكم جنتي، أحللت عليكم رضواني، لا أسخط عليكم أبداً، هذا يوم المزيد فسلوني.

لا إله إلا الله ما أكرم الله لا إله إلا الله ما أرحم الله!

يا أيها الإخوة: يعرض عليهم عرضاً، فيقولون: أرِنا وجهك نتلذذ بالنظر إليه، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، ويغشاهم من النور، ما لولا أن الله عز وجل قضى ألا يحترقوا لاحترقوا من نوره: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} [النور:٣٥] لا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا حاضره ربه محاضرة، وكلمه ربه كفاحاً بلا ترجمان.

يقول الله: ألم تعمل كذا في يوم كذا ألم تعمل كذا ألم تعمل كذا فيذكره ببعض غدراته وزلاته فيقول: يارب ألم تغفر لي، قال: بمغفرتي بلغت ما بلغت.

فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم الغفار {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣].

فكيف تعلم؟

فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم

هذا بعض ما أعده الله عز وجل لنا من النعيم في الجنة، يجمع هذا كله قول المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر وإن شئتم فاقرءوا: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧]} إنها الجنة وكفى، إنها الفردوس وكفى، إنها طوبى وكفى.

فللَّه ما فِي حشْوِهَا من مَسرةٍ وأصناف لذَّاتٍ بها يَتَنَعَّمُ

وللهِ برد العَيشِ بيْنَ خِيامِها وَرَوْضَاتهَا والثَّغْرُ فِي الرَّوض يبسِمُ

وللهِ واديهَا الَّذِي هُوَ موعد المزيد لوفد الحب لو كنتَ منهُمُ

ولله أفْرَاحُ المحبِّينَ عندمَا يُخاطِبُهُم مَولاهُمُ ويُسلِّمُ

ولله كمْ حوريةٍ إنْ تبسمتْ أضاء لها نور من الفَجْرِ أعظمُ

فيَا لذَّةَ الأبصارِ إنْ هِيَ أقْبَلتْ ويا لذة الأسماع حين تكلم

فيا خاطِبَ الحسناءِ إنْ كنْتَ بَاغِياً فهذا زمانُ المَهرِ فَهْوَ المُقدَّمُ

فأقْدِمْ ولا تقنعْ بعيشٍ مُنغصٍ فَمَا فاز باللّذاتُ مَن ليس يَقْدُمُ

وإن ضاقتْ الدنيَا عليكَ بأسرِها ولَمْ يكن فيها مَنزِلٌ لك يُعْلَمُ

فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنَّها منازلُنَا الأُولَى وفيها المخيمُ