ها هو الزهري عليه رحمة الله ذلكم المحدث الكبير الذي يدخل على هشام بن عبد الملك، فيقول هشام للعلماء -وكانوا حوله-: من الذي تولى كِبر الإفك في حادثة الإفك؟ -وكان هشام يدعي أن الذي تولى كبره هو علي رضي الله عنه وأرضاه، فقال هشام لـ سليمان بن يسار: من الذي تولى كبره؟ قال: ابن أُبيّ، فقال هشام: كذبت، هو علي بن أبي طالب، فقال سليمان: الأمير أعلم بما يقول، ثم قال للآخر: من الذي تولى كبره؟ فأجابه وكذَّبه.
ثم وصل الدور إلى الإمام الزهري عليه رحمة الله ذلكم الرجل الذي نحسب أنه أسَّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان، فقال له هشام: من تولى كبره؟ قال: ابن أُبيّ -عليه من الله ما يستحق- قال: كذبت، فانتفض الإمام الزهري، وقال: أنا أكذب لا أبا لك! والذي لا إله إلا هو لو نادى منادٍ من السماء: أن الكذب حلال ما كذبت، والذي لا إله إلاَّ هو لقد حدثني سعيد وعروة وعبيدة وعلقمة عن عائشة بأن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي، فارتعد هشام وانتفض، وقال: هيَّجناك يا إمام سامِحْنا، سامِحْنا.
إنه الثبات! وإنه بناء النفس الذي لا يضره أي موقف يتعرض إليه من محنة أو منحة!
وقبل هذا وذاك أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.