فهيا معي -يا عباد الله- إلى مشاهد من الحسرة، أسأل الله ألا تكونوا من أهل الحسرة، علَّ ذلك تصلح به القلوب، وتتجه إلى علام الغيوب، وتنقاد الجوارح إلى العمل الصالح.
إنه يوم الحسرة وما أدراك ما الحسرة، يوم أُنذر به وخُوِّف، وتُوعِّد به وهُدِّد، قال الله عز وجل:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}[مريم:٣٩] إنذار وإخبار في تخويف وترهيب بيوم الحسرة حين يُقْضَى الأمر، يوم يُجمع الأولون والآخرون في موقف واحد، يُسألون عن أعمالهم؛ فمن آمن واتبع سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ومن تمرَّد وعصى شقي شقاء لا يسعد بعده أبداً، وخسر نفسه وأهله، وتحسر وندم ندامة تتقطع منها القلوب، وتتصدع منها الأفئدة أسفاً.
وأي حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه وناره على وجه لا يمكن معه الرجوع ليستأنف العمل ولا سبيل له إلى تغيير حاله ولا أمل، وقد كان الحال في الدنيا أنهم في غفلة عن هذا الأمر العظيم، فلم يخطر بقلوبهم إلا على سبيل الغفلة حتى واجهوا مصيرهم، فَيَا لَلندم والحسرة! حيث لا ينفع ندم ولا حسرة.
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}[مريم:٣٩]: {يوم يُجاء بالموت -كما في صحيح البخاري - كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم.
هذا الموت.
ثم يقال: يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم.
هذا الموت.
قال: فيؤمر به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [مريم:٣٩]}.
آهٍ من تأوهٍ حينئذ لا ينفع، ومن عيون صارت كالعيون مما تدمع.
إنها حسرة بل حسرات! أنباء مهولات، ندامات وتأسفات ورد ذكرها في غير ما آية من الآيات، تصدر عن معرضين عن الآيات ولاهين ولاهيات عن يوم الحسرات، نذكر بعضاً منها في هذه الخطبة.
من رسالة: قل هو نبأ عظيم بتصرف يسير، إنها تذكرة وعظات، علَّنا أن نحاسب أنفسنا ما دمنا في مهلة من أعمار وأوقات، وقبل أن نندم حيث لا ينفع ندم ولا حسرات.