للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تنظر إلى صغر المعصية وانظر إلى عظمة من عصيت]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين، وأُصلي وأُسلم على النبي الأمين، وآله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

عباد الله! اتقوا الله حق التقوى، فمن حقيقة هذه الكلمة: ألا تنظر إلى صغر الخطيئة، بل تنظر إلى عظمة من عصيت.

إنه الله الجليل الأكبر الخالق البارئ المصور

كم من ذنب حقير استهان به العبد فكان هلاكاً له: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:١٥].

ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: {كانت العرب تخدم بعضها بعضاً في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما رجل يخدمهما، فناما واستيقظا وهو نائم لم يهيء لهما طعاماً، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا لنئوم -أي: كثير النوم- ثم أيقظاه، وقالا: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك -يعني: يطلبان منك الإدام- فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أقرئهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما، فرجع فأخبرهما، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكما قد ائتدمتما! ففزعا فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدمنما، فبأي شيء ائتدمنا؟

قال: بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده! إني لأرى لحمه بين أنيابكما، قالا: فاستغفر لنا يا رسول الله! قال: بل مُروه هو فليستغفر لكما}.

عباد الله: إن أبا بكر وعمر ما نظرا إلى ما قالا، فإنها كلمة قد نقول أعلى منها مئات المرات، لكنهما نظرا إلى عظمة من عصو، إنه الله! وتلك حقيقة تقوى الله.

فإيَّاكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن لها من الله طالباً.

لا تحقرنَّ صغيرة إن الجبال من الحصى

والقَطْر منه تدفَّق الخُلْجَان.