[بيان عظم رحمة الله بعباده]
الله عز وجل رحيم بل هو رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، رحمته وسعت كل شيء وسبقت غضبه سبحانه وبحمده، له مائة رحمة، أنزل لنا في هذه الدنيا رحمة واحدة، فبها يتراحم الخلق كلهم ناطقهم والأعجم، صغيرهم والكبير، حتى إن الدابة لترفع رجلها لوليدها ليرضع منها ثم يذهب بهذه الرحمة، فإذا كان يوم القيامة رفع الله هذه الرحمة إلى تسع وتسعين رحمة عنده سبحانه وبحمده، فيتطاول إبليس ويظن أن رحمة الله ستسعه في ذلك اليوم، فيا من رحمته وسعت كل شيء! ارحمنا برحمتك.
اسمع لنبيك صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري يوم يأتيه سبي وإذا بامرأة من بين هذا السبي تبحث عن صبي لها فقدته، لا تلوي على شيء، كلما وجدت طفلاً قلبته ونظرت فيه فإذا به ليس طفلها، ثم تجد ابنها بعد مشقة وعناء فتلصقه ببطنها وترضعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم يرقبون الموقف، وإذا بها تذرف الدموع -دموع الفرح- على ابنها وهو على ثديها، فيقول صلى الله عليه وسلم: {أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قال الصحابة: لا والله يا رسول الله.
فقال رسول الله: لله أرحم بعباده من هذه بولدها}.
يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم لديه
أنا ضيف وجزاء الضيف إحسان إليه
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:٤٩] {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:٥٠].
أحبتي في الله: كثيراً ما يضل الإنسان في الطريق، وينحرف عن الجادة، بوازع الجهل والهوى أحياناً واستجابة لإغراء عابث أحياناً، أو لشهوة جامحة قوية، الأمر الذي يهبط بمستواه الإنساني ويحول بينه وبين الطهر والتسامي؛ فتسقط قيمته، وينحط إلى الدرك الأسفل من الرذيلة والعار، تتجه قواه كلها إلى إشباع غرائزه وإيثار لذائذه؛ فيسقط إلى منزلة البهيمة، حتى إنك لتجده بأذن لا تسمع، وبعين لا تبصر، وبقلب لا يفقه، تجده بهيمة في مسلاخ بشر، والإنسان قد تمر به ساعة تنام فيها قواه، ويغفو فيها ضميره، وتستيقظ غرائزه؛ فيسقط صريع الهوى والشهوة والشبهة، فيا له من سقوط، ويا لحقارتها من لذة مؤقتة تورث النار.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار
وكلنا ذوو خطأ! والمعصوم من عصمه الله جل وعلا، على كل واحد منا أن يذكر فلا ينسى أنه لم يخلق ملكاً كريماً، ولم يخلق بشراً معصوماً، وإنما هو إنسان تتنازعه قوى الخير والشر، فتارة يغلب خيره شره فهو خير من الملائكة، وتارة يغلب شره خيره فهو شر من البهائم -كما قال ابن القيم -عليه رحمة الله- و {كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون}.
كلنا ذوو خطأ! في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم}، فلابد من الخطأ، ولابد من التقصير، وكلنا ذوو خطأ!
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
تريد مبرأً لا عيب فيه وهل نار تفوح بلا دخان
لكن إياك أن تبقى على الخطأ! إياك أن تدوم على المعصية! فإن المعصية شؤم، وإن المعصية عذاب، وإن المعصية وحشة، وإن المعصية غضب من الله الواحد الديان، وقد يحبس عن أمة خير بمعصية من فرد واحد لم يأمروه ولم ينهوه، نسأل الله ألا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا.