والله عز وجل قد وجه نبيه صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية إلى الصبر والجلد وقوة التحمل فقال:(وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(المزمل:١٠)، وقال (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(الروم:٦٠)، الصبر تفائل دائم حتى لو ضربت الجاهلية أطناب الأرض، فلا يسوغ بحال الإنسحاب من الميدان، إذا يخلو الجو للشيطان، ويكر الجراد على الحرث فيلتهمه، وقد تغير اللصوص عليه فينتهبونه، فلا بد من صبر وصمود حتى يثبت ويثمر العود.
ولست بخالع درعي وسيفي ... إلى أن يخلع الليل والنهار
كل لذة منقطعة عند كل غمسة في جهنم، وكل بؤس وشقاء ينقطع عند أول غمسة في الجنة، وللباطل جولة ثم يذهب هباء، والحق له صولة وهو أنفع وله البقاء، فإذا أدلهم الخطب، واشتد الظلام، فارتقب بزوغ الفجر، وتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، ثم أصبر وصابر فإن العاقبة للمتقين. وخاب المبطلون، وبشر الصابرين، واصبر على ما يقولون:
لا يفزعنك هول خطب دامس ... فلعل في طياته ما يسعد
لو لم يمد الليل جنح ظلامه ... في الخافقين لما أضاء الفرقد
* * * * * *
[الإشارة الثامنة: تمهل]
لا تعجل في دعوة أو حكم يوشك أن تصل، (إن من سنن الله في النفس أنها لا تضحى ولا تبذل إلا إذا عولجت من داخلها، وتجردت من حظوظها، وأدركت فائدة التضحية والبذل). وذلك لا يتم إلا في وقت طويل وجهد وتكاليف وكدح دائب في اناة ليس يعروها ملل، فليعلم.