لم يقف الأمر عند ذلك، بل كانت آسيا بنت مزاحم زوج فرعون، والتي ربت موسى صلوات الله وسلامه عليه والتي قالت:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً}[القصص:٩] كانت تراقب الموقف وهي مؤمنة، ولم تعلن إيمانها بعد؛ خوفاً من أن يفتنها عن دينها، ولما رأت من الماشطة ما رأت، فقوي في قلبها إيمانها، وتعلقت بربها؛ رب العالمين.
فجاء إليها ليخبرها متبجحاُ وقد علمت ما حصل، فقال: فعلت بالماشطة كذا وكذا، فقالت: الويل لك، ما أجرأك على الله! الويل لك ما أجرأك على الله! الويل لك ما أجرأك على الله!
قال: لقد اعتراك جنون الماشطة، قالت: بل آمَنْتُ بالله ربي ورب الماشطة، وربك رب العالمين.
فذهب إلى والدتها، وقال: لأذيقنَّها ما ذاقته الماشطة أو لترجع، فجاءت أمها -برحمتها وشفقتها عليها- تعرض عليها أن تتنازل عن دينها وهي إنما تتنازل عن الجنة التي عرضها السماوات والأرض- فماذا كان منها؟
قالت: يا أماه! أما أن أكفر بالله، فوالله لا أكفر بالله، عندها بدأ في التعذيب، أوتد يديْها ورجليها، وعرَّضها لأشعة الشمس، ووكَّلَ من يعذبها ويصنف عليها أنواع العذاب ويقول: أما أنت بمنتهية؟ فتقول: لن أنتهي حتى ألقى الله، أو كما قالت.
فيأتي بعد ذلك، ويقول: لأرمينك بكذا وكذا من الصخور - يهدِّد - قالت: لا أرجع عن ذلك أبدًا، فماذا يحصل بعد ذلك؟ كان الذين يعذبونها في حرارة الشمس ينصرفون عنها ويذهبون بعيداً عنها، فإذا ذهبوا، نزلت الملائكة لتظلَّها بأجنحتها.
ثم يرجع إليها ويعرض عليها الكفر مرة أخرى فترفض؛ فيرمي بالصخرة عليها ويقبض الله روحها قبل نزول الصخرة عليها لتلقى الله عز وجل ثابتة بإيمانها.