صدقوا ما عاهدوا: فكان القرآن فيصلاً في المواقف التي يحار فيها أولو الألباب، ما كانوا يرجعون إلا إلى كتاب الله؛ ففي يوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أصيب المسلمون وفجعوا، وفقد بعض الصحابة الصواب، حتى قال: والله! ما مات، فإذا بـ أبي بكر -تربية القرآن- يتلو ويقول:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران:١٤٤] فعلموا بذلك أنه مات، حتى إن بعضهم سقط ما كادت تحمله رجلاه، وحق له ذلك.
ويختلف المسلمون بعد ذلك في من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المهاجرون: نحن أولى بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الأنصار: نحن أولى بها، وقال بعضهم: بل تكون فينا وفيكم؛ منَّا أمير ومنكم أمير، وكادت تحدث الفتنة، ونبي الله ما زال بين ظهرانيهم ولم يدفن بعد، وإذا بأهل القرآن بكلماتهم الناصعة التي تئد الفتنة في مهدها ينطقون، إذا بـ زيد بن ثابت رضي الله عنه تربية القرآن يقول:[[يا معشر الأنصار! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، فخليفته مهاجر مثله، وكنا أنصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنكون أنصاراً لخليفته]] ثم بسط يده إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: هذا خليفتكم فبايعوه؛ فبايعوه ووئدت الفتنة في مهدها.
هذا صدقهم مع كتاب الله، أصلحوا سرائرهم ففاح عبير فضلهم، وعبقت القلوب بنشر طيبهم.
فالله الله في كتاب الله قراءة وتدبراً وعملاً؛ لأننا جعلناه -ومع الأسف- للمآتم صوتاً ومحدثاً، قبَّلناه وأكثرنا تقبيله، وما قبِلناه ولم يلامس شغاف قلوبنا، ادَّعينا حب من أُنزل عليه القرآن، ثم أحدثنا ما أحدثنا، وكل محدث ضلال، ومن عمل عملاً ليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدث في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس منه فهو رَدٌّ.
فالله الله في القرآن! والله الله في السرائر والأعمال وفق شرع الرحمن وعلى طريقة خير الأنام! فإنه لا ينفع مع فساد السرائر وتنكُّب الاتباع صلاح ظاهر:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ}[الزخرف:٤٣ - ٤٤].