[ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ممارسته]
إن الله عز وجل قد جعلنا خير أمةٍ أخرجت للناس، لكن اشترط فينا شروطاً لنأخذ هذه الخيرية: أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله.
ليسألْ كل واحدٍ منا نَفْسَه عن هذه الثلاثة، هل فعلاً هو من أهلها؟ إن كان كذلك فقد حاز الخيرية التي وعده الله عز وجل بها، فهو من خير أمة، وإن قصر في ذلك فعليه أن يجتهد فيه، فلا يزال في مهلة.
ثم أقول لك يأيها الحبيب: إن الله عز وجل ليحيي بكلمة تحتقرها أنت أمماً وأمماً، إن الإنسان ليرمي الكلمة أحياناً لا يعلم كيف وقعت في الناس وماذا أثرت.
يقول أحد زملائي سابقاً في مدرسة من المدارس من أهل القصيم، يقول: في وقتٍ من الأوقات ذهبت من القصيم قبل حوالي عشر سنوات متجهاً إلى مكة، وجئت في ليالي العشر الأواخر في رمضان، وإذا بمجموعة من شباب مكة في وسط جبل الهدى، وإذا هم بعودهم، وبأوراقهم، وإذا هم بعبثهم وبلهوهم، قال: فتوقفت وقلت: والله إن النزول إلى هؤلاء لواجب من الواجبات، لكني أخشى أن يكونوا سكارى، فأنزل إليهم فيضربوني أو يؤذوني أو يفعلوا بي شيئاً، والشيطان يخذله فقط، والشيطان يأتي إلى الإنسان حين يريد أن ينكر منكراً من المنكرات فيقف عنده ويقول: قد تفتتن بهذا، انتبه قد تقع في شيء، حتى يترك الخير.
يقول: أنزل إلى الأرض فما تحملني رجلاي، ترتعش خوفاً، فأرجع، فبقيت بين هذا وذاك، ثم انطلقت مرةً أخرى، فجئت أركض إليهم وقلت لهم: يأيها الشباب! اتقوا الله! اتقوا الله! الناس يأتون من كل مكان إلى حرم الله، وأنتم تخرجون من حرم الله لتعصوا في هذا المكان؟ اتقوا الله! قال: ثم هربت خوفاً أن يقوم أحدهم ويفعل معي شيئاً من الأشياء، قال: وركبت سيارتي ومضيت، ثم جئت في رمضان الذي بعده، ودخلت الحرم وإذا برجل عليه سيما الخير وقد أطلق لحيته، وإذا به يتأمل في تأملاً عجيباً، قال: فوقفت وقلت: ما بك؟ قال: هل مررت العام الماضي في العشر الأواخر من رمضان على الجبل في المكان الفلاني؟ قلت: نعم، قال: إذاً أنت الذي قال: اتقوا الله ثم هرب؟ قلت: نعم، فقال لي: أنا ثمرة من ثمرات (اتقوا الله) في تلك الليلة ومعي أخوان من الإخوة.
كلمة على ضعف وعلى خوف لكنها صادقة بإذن الله عز وجل، وخرجت من قلبٍ صادق، فصادفت قلباً خالياً فتمكنت منه.
فلا تحقرن شيئاً -يأيها الحبيب- وأنت تسلك هذه الطريق، وأنت على ظهر سفينتك، فالعلم لا بد منه، والعمل لا بد منه.
وأذكركم بحادثة أخرى يذكرها صاحب قصص السعداء والأشقياء، يقول: رجل من الرجال كان لا يتذكر ولا يتعظ أبداً، ويعمل سائق إسعاف، لا يأتي إلى حادث من الحوادث الشنيعة إلا ويأخذ الجمجمة في يد، ويأخذ قطعاً من اللحم في اليد الأخرى، وكأنه يحمل قطع لحمٍ لبهائم لا لبشر، ولا يتأثر، يقول: وفي ليلة من الليالي يشاء الله عز وجل، وفي وسط الليل في الساعة الواحدة ليلاً كنت أنا المستلم للسواقة في ذاك الليل، قال: وإذا بخبر يخبر بحادث في مدخل من مداخل الرياض الساعة الواحدة، وزميلي كان في خارج المكان ذلك الوقت، فخرجت أنا، ولم أكن أصلي، وكنت أشرب الدخان، وكنت صاداً وناداً عن الله عز وجل، قال: وخرجت وجئت إلى مدخل الرياض، وإذا بهذه السيارة قد ارتطمت بعمود من أعمدة الإنارة، وإذا المنطقة مظلمة قد انقطعت عنها الكهرباء، ووالله إني لأرى نوراً خافتاً يخرج من وسط هذه السيارة، فتقدمت ونزلت وولعت سيجارتي، وتقدمت إلى هذا الرجل، فوجدته رجلاً كث اللحية، مستنير الوجه، وجهه كأنه قراطيسٍ بيضاء، وإذا المقود مقود السيارة -الدركسون- قد ضربه على أسفل بطنه، وهو ممسك به على المقعد، قال: فجئت والسيجارة في فمي، قال: أتريد أن تنقذني؟ قلت: نعم، قال: لو سمحت! اتق الله وأطفئ هذه السيجارة، وهو في وضع من الأوضاع لا يفكر فيه الإنسان إلا فيمن ينقذه، وهو لم ينس مهمته في ذلك الوقت.
يقول: فأطفأت السيجارة ورجعت مرة أخرى أحاول أن أخرجه ما استطعت، قال: وإذا به في سكرات الموت يقول: إن رسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من صنع إليكم معروفاً فكافئوه}.
ولا أملك لك يا بني في هذه اللحظة إلا النصيحة، فهل تقبلها؟ قلت: تفضل، قال: اتق الله! اتق الله! وإياك ورفقة السوء! أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم لقي الله، وانطوى على مقود السيارة.
يقول: أنا لم تحملني رجلاي بعد ذلك، وكلماته ترن في أذني وكأنها تزلزلني زلزالاً، ليس في ذاك المكان إلا أنا وهذا الرجل قال: فما كان مني إلا أن أخذته بالقوة وكسرت مقعد السيارة ووضعته في السيارة وأمشي في الطريق، وما زالت المطرقة تطرق في ذهني: اتق الله! اتق الله! ثم سلمته إلى قسم الحوادث في الساعة الثالثة ليلاً، ورجعت إلى بيتي وذهبت إلى أهلي، واغتسلت وتوضأت، وإذا بالمنادي ينادي لصلاة الفجر، قال: فانطلقت إلى المسجد وصليت، وذهبت إلى الإمام وأخبرته، قلت: حدث الليلة كذا وكذا وكذا قال: احمد الله الذي أحياك بموت ذلك الرجل، ولم يرسل إليك ملك الموت ليقبضك على ما أنت عليه.
الشاهد من هذا -يأيها الأحبة- أنه إنسان في أحلك اللحظات يلفظ روحه، ومع ذلك لم ينس واجبه في الدعوة إلى الله جل وعلا.
ثم أقول لكم: أيها الأحبة! عليكم بالصبر! عليكم بالصبر! فقد قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠].
بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين:
ما صبر إنسان وتحمل وجالد في هذه الحياة في سبيل إبلاغ دين الله عز وجل إلا وذلل الله عز وجل له كل صعب، وهذا مشاهد ومعروف، والواقع يشهد بذلك {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤].
صبروا وأيقنوا بآيات الله، فمكنهم الله عز وجل وجعلهم أئمة يقتدى بهم، فالصبر هو الشيء الثاني أيها الأحبة.