أما آخر فيغدو إلى المسجد ليُصلي مع جماعة المسلمين فيعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح، ما خطا خطوة إلا كُتِبَ له بها حسنة، ولا رفع أخرى إلا وَرُفِعَ عنه سيئة، ما جلس من مجلس إلا وملك موكل به يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى تقام الصلاة، فما بالك إذا كان يقرأ القرآن.
ها هو ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير يقول أبناؤه: كان كثيراً ما يقول: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة.
قالوا: وما الميتة الحسنة يا أبتاه؟! قال: أن يتوفاني الله وأنا ساجد، وتحل به سكرات الموت قبل صلاة المغرب، ويسمع نداء: الله أكبر، الله أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح فماذا كان منه؟ قال: أقعدوني واحملوني إلى المسجد، قالوا: قد عذرك الله، مريض في سكرات الموت.
قال: أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لا أجيب، فحملوه على أكتافهم وأوصلوه إلى المسجد، فصلى معهم صلاة المغرب حتى الركعة الأخيرة، فسجد فكانت السجدة الأخيرة:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم:٢٧].
وها هو حاتم الأصم عليه رحمة الله فاتته صلاة العصر يوماً من الأيام جماعةً مع المسلمين، فذهب أهل المسجد يعزونه في جماعةٍ فاتته.
كانوا يُعزِّي بعضهم بعضاً إذا فاتته جماعة، دخلوا عليه في بيته وهم قلة، فعزوه فبكى، قالوا: ما يُبكيك؟ قال: أبكي لأنها فاتتني جماعة فعزاني بعض أهل المدينة، ووالله! لو مات أحد أبنائي لعزاني أهل المدينة كلهم، ووالله! لموت أبنائي جميعاً أهون علي من فوات هذه الجماعة.
هكذا كان سلفنا الكرام.
وهذا سعيد بن المسيب وهو في سكرات الموت وكان بنياته الصغار حواليه يبكين، فيقول لهن:"أَحْسِنَّ الظن بالله، فوالله! ما فاتتني تكبيرة الإحرام في المسجد ستين سنة".
هكذا كانوا -أيها الأحبة- فأي الغاديين أنت؟ وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.