[حقيقة الموقف وأهوال القيامة]
تخيل وليداً عمره شهر واحد، قضى الله ألاَّ يعيش سوى هذا الشهر، فقبضه ديَّان يوم الدين، وقُبِرَ مع المقبورين.
وبينما هم في قبورهم إذ نُفِخ في الصور، وبُعثرت القبور، وخرج المقْبُور، وكان في من خرج ذلكم الصبي؛ ذو الشهر الواحد، حافياً عارياً أبهم، نظر! فإذا الناس حفاة عراة رجالاً ونساءً كالفراش المبثوث، والجبال كالعهن المنفوش.
السماء: انفطرت، ومارت، وانشقت، وفُتحت، وكُشطت، وطويت.
والجبال: سُيِّرت، ونسفت، ودكَّت.
والأرض: زلزلت، ومُدَّت، وألقت ما فيها وتخلَّت.
العِشَار عُطِّلت الوحوش حُشِرت البحار فُجِّرت وسُجِّرت.
الأمم على الرُّكب جثت، وإلى كتابها دُعيَتْ.
الكواكب انتثرت النجوم انكدرت الشمس كُوِّرت، ومن رءوس الخلائق أُدْنِيت.
الأمم ازدحمت وتدافعت الأقدام اختلفت الأجواف احترقت الأعناق من العطش وحرِّ الشمس ووهج أنفاس الخلائق انقطعت.
فاض العرق؛ فبلغ الحقوين، والكعبين، وشحمة الأذنين.
والناس بين مستظل بظل العرش، ومصهور في حرِّ الشمس.
الصحف نُشِرت، والموازين نُصِبَت، والكتب تطايرت، صحيفةُ كلٍ في يده، مخبرة بعمله، لا تغادر بليَّة كتمها، ولا مخبأة أسرَّها.
اللسان كليل القلب حسير كسير الجوارح اضطربت الألوان تغيرت لِمَا رأت الفرائص ارتعدت القلوب بالنداء قُرِعت والموءودة سُئلت والجحيم سُعِّرت والجنة أُزلِفَت.
عَظُم الأمر، واشتدَّ الهول، والمرضعة عما أرضعت ذُهِلَت، وكل ذات حمل حملها وضعت.
زاغت الأبصار وشخصت، والقلوب الحناجر بلغت.
وأحضروا للعرض والحساب وانقطعت علائق الأنساب
وارتكمت سحائب الأهوال وانعجم البليغ في المقال
وعنت الوجوه للقيوم واقتُصَّ من ذي الظلم للمظلوم
وساوت الملوك للأجناد وجيء بالكتاب والأشهاد
وشهد الأعضاء والجوارح وبدت السوءات والفضائح
وابتُليت هنالك السرائر وانكشف المخفي في الضمائر
هنا تخيل ذلك الوليد صاحب الشهر الواحد؟!
ما اقترف ذنباً، وما ارتكب جُرْماً، ااًلأهوال محدقة به؛ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، تخيله مذعوراً قلبه، اشتعل رأسه شيباً في الحال؛ لهول ما يرى.
فيالله لذلك الموقف:
يوم عبوس قمطرير شرُّه وتشيب منه مفارق الولدان
هذا بلا ذنب يخاف مصيره كيف المُصرُّ على الذنوب دهور؟!
قال الله عز وجل: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:١٧].
عباد الله: في خِضَم هذه الأهوال التي تبيضُّ منها مفارق الولدان ما النجاة؟! وما المخرج؟!