يقول ابن مسعود رضي الله عنه: لقد اختلفت مع عمر رضي الله عنه في مسائل تربو على مائة مسألة.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل أنقص هذا من حب عمر عند ابن مسعود أو العكس؟ لا والله! والشواهد تشهد بذلك.
يقبل ابن مسعود يومًا على عمر رضي الله عنه وهو جالس، فلما رآه عمر هشَّ له وبشَّ وقال: كُنَيْفٌ مُلئ علمًا وفقهًا.
هكذا كانت نظرة عمر -رضي الله عنه- لأخيه؛ نظرة تجردت عن الهوى والشهوة، فالحق مقصدها والصدق غايتها.
فما نظرة ابن مسعود لـ عمر الذي اختلف معه فيما يربو على مائة مسألة؟
اسمع أخي الكريم: يأتي ابن مسعود اثنان، أحدهما قد قرأ على عمر والآخر على صحابي آخر، فيقول ابن مسعود للأول: من أقرأك القرآن؟ قال: أقرأنيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيجهش ابن مسعود بالبكاء حتى ابتلت الحصى بدموعه، ويقول:[[اقرأ كما أقرأك عمر؛ فإنه كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه الناس ولا يخرجون، فلما أُصِيْبَ عمر انْثلم الحصن]].
لا غرابة في هذا القول من ابن مسعود رضي الله عنه؛ فهو القائل بعد وفاة عمر -كما روى الإمام أحمد في فضائله بسند حسن-: [[لقد أحببتُ عمر حبًّا حتى لقد خفت الله، والله! لو أني أعلم كلبًا يحبه عمر لأحببته، ولوددت أني كنت خادمًا لـ عمر حتى أموت، ولقد وجَدَ فَقْده كل شئ حتى العصاة؛ إن إسلامه كان فتحًا، وهجرته نصرًا، وسلطانه رحمة]]، ثم يقول أخرى -كما أخرج الطبراني-: [[لمجلس واحد من عمر أوثق عندي من عمل سنة، لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر-رضي الله عنه- بعلمهم، ولقد ذهب بتسعة أعشار العلم]].