للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الأمر متمثل في قوله صلى الله عليه وسلم لحاطب: ما حملك على ما صنعت؟ وهذه المرحلة مهمة؛ لأنه قد يتبين بعد طرح هذا السؤال أن هناك عذرا شرعيا في ارتكاب الخطأ، وتنتهي القضية عند هذا الحد، فإذا لم تنته عند هذا الحد مثل ما ظهر في قضية حاطب، وأن العذر الذي أبداه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن مقنعا لكنه طمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدق حاطب، وأنه لا زال مسلما، نقول: إذ لم يكن العذر مقنعا من الناحية الشرعية، فإنه يصار إلى:

المرحلة الثالثة: وفيها يتم جمع الحسنات والأعمال الخيرة لمرتكب الخطا وحشدها إلى جانب خطأه، فقد ينغمز هذا الخطأ أو هذه السيئة في بحر حسناته: وهذا هو الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع حاطب رضي الله عنه؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم لعمر عندما استأذن في مقتل حاطب: أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة – أو فقد غفرت لكم-.

وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله كلاما جيدا حول هذا الموضوع؛ حيث قال في رده على من قال: إن الله يعافي الجهال ما لا يعافي العلماء:

فالواجب: أن هذا الذي ذكرتموه حق لا ريب فيه، ولكن من قواعد الشرع والحكمة أيضا من كثرة حسناته، وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل من غيره، ويعفى منه ما لا يعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث؛ بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى الخبث.

ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: أعملوا ما شئتهم فقد غفرت لكم.وقد ارتكب مثل هذا الذنب العظيم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرا، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه ما له من المشهد العظيم؛ فقوعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات.