(فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ... في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى العطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الإهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا ...
وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت حياته مع الناس؛ ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة.
هذه هي صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله عز وجل بالتأسي به، واقتفاء أثر، وهي نموذج لكل داعية يريد دعوة الناس إلى الخير، ويحببهم فيه، ولكن مع ذلك بعضنا يفرط في هذه الصفات، ويصدر منه من المواقف والتصرفات ما ينم عن الغلظة، والفظاظة، وعدم الحلم، وسعة الصدر، متمثلا في تقطيب الوجه، وانقباض النفس، على الأخطاء، وفقدان الرفق والأناة، ومعلوم ما ينتج عن ذلك من نفرة الناس وكرههم لمن هذه أخلاقه، فوق ما في ذلك من الإثم وحرمان الأجر.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)).
وثمة شيء آخر يتعلق بهذا الموضوع ألا وهو ما درج عليه بعض المربين والموجهين من الدعاة في القسوة على من معهم، وتربيتهم على التقليد الأعمى، وعدم السماح لهم بإبداء آرائهم، ومعارضتهم، وقفل باب التشاور معهم.
وهذه الطريقة الخاطئة من التربية، تفرز لنا دعاة مقلدين متعصبين منفذين لما يقال لهم بدون بصيرة، وهذه هي الحقيقة تربية عبيد لا تربية قادة، وهذا يخالف قوله تعالى: