للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حفت الجنة بالمكاره، فمن أرادها حقا اقتحم المكاره، فمن خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره، والمكارم منوطة بالمكاره، ومن تأمل نيل الدر من البحر وجده بعد معاناة المكاره، ومن تأمل دوام البقاء في نعيم الجنة علم أنه لا يحصل إلا بنقد هذا العمر ثمنا له، وما مقدار عمر غايته مائة سنة منها خمس عشرة صبوة وجهل، ومنها ثلاثون بعد السبعين إن حصلت عجز وضعف، والتوسط نوم ونصف زمانك أكل وشرب وكسب وللعبادات منه زمن يسير.

عمرك محدود فأدرك به ... بعض الأماني وانتهز واعقل

أفلا يشترى ذلك الدائم بهذا القليل؟! خاب والله وغبن وتعس وانتكس من باع الجنة وما فيها بشهوة ساعة، غبن، فاحش، خلل، وهوان، تالله ما العيش إلا عيش الجنة، حيث اليقين والرضا والمعاشرة لمن لا يوؤذي ولا يخون، مع تنوع أصناف النعيم.

والذل في دعة النفوس ولا أرى ... عز المعيشة دون أن يشقى لها

من جد وجد، ومن سهر ليس كمن رقد، والفضائل تحتاج لوثبة أسد.

(تالله ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد فلم يرضى لها بثمن دون بذل النفوس، تأخر البطالون، وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون لها ثمنا، فدارت السلعة بينهم، ووقفت في يد قوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين. عرفوا عظمة المشتري، وقدر السلعة، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع فرأوا من الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الراضون أو التراضي، فربح البيع لا إقالة ولا إستقالة).

سعوا للمعالي وهم صبية ... وسادوا وجادوا ومهم في المهود

إنها سلعة الله وكفى؛ سلعة الله غالية جد غالية، تحتاج إلى مثابرة، وجهد وصبر ومصابرة وتضحية ومغالبة.

ومن هجر اللذات نال المنى ومن ... أكب على اللذات عض على اليد

يا سلعة الرحمن ليست رخيصة ... بل أنت غالية على الكسلان