فارفع على الطريق هذا الشعار، وأعلم:(أن العمل لا نهاية له، إطاره الأرض- مطلق الأرض- وميدانه الإنسان من غير حد للون ولا لجنس ولا لغة)، إنها جمع وتأليف على ساحة الإسلام من غير دخل. وعمل بهذه السعة يحتاج إلى رسم خطط دقيقة، إلى دراسات متأنية، على نبذ للفوضوية ولو بحسن نية، فالارتجال والفوضى خلل ووهن واضطراب في التصور، لأن الأمة في حاجة ماسة إلى جيل مصلح منقذ يمارس خدمة الإسلام بأرقى أساليب الإدارة والتوجيه، (جيل يتجاوز العشوائية، ويكفر بالغوغائية، يحتكم إلى حقائق الكتاب والسنة لا إلى الوهم، ولا ينسى وهو يتطلع إلى السماء أنه واقف على الأرض، فلا يجري وراء الخيال والأحلام والأماني، ولا يسبح في غير ماء، ولا يطير بغير جناح، جيل واقعي لا يسبح في البر، ولا يحرث في البحر، ولا يبذر في الصخر، لا ينسج خيوطا من الخيال، ولا يبني قصورا في الرمال)، ولا ييأس من روح الله، ولا يقنط من رحمة الله، لكنه يعرف حدود قدراته وإمكاناته، فيأخذ بالأسباب، ويدرس مشروعية الوسائل قبل أن يقدم على الأهداف.
ولسنا بدعا في ذلك يوم ندعو إلى ذلك؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الأسوة والقدوة - لما هاجر إلى المدينة خرج بطريقة مدروسة منظمة عجيبة، اتخذ فيها كل الأسباب متوكلا على ربه ويظهر من خلال ما يلي:
أولا: الاتصال بالأنصار الذي تم من خلاله بيعة العقبة الأولى.
ثانيا: بعث النبي صلى الله عليه وسلم لمصعب بن عمير إلى الأنصار ليقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في دين الله.
ثالثا: بيعة العقبة الثانية التي هي شد للوثاق والعهد على النصرة في المنشط والمكره والعسر واليسر، بعد ان استوعب النبي صلى الله عليه وسلم درس الطائف قبل ذلك.
رابعا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالهجرة حتى لم يبق بمكة إلا محبوس أو مفتون.