خَالَفْتُمْ مَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ أُخْرَى فَقُلْتُمْ: يُقَوَّمُ سِلْعَةً فَيَكُونُ فِيهَا نَقْصُهُ فَلَمْ تَمْحَضُوا قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَاقِهَا: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» وَحَفِظْنَا عَنْ عُمَرَ قَالَ: فِي ثَلَاثِ قَبَضَاتٍ مِنْ زَبِيبٍ فَهُوَ مَهْرٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ لَهُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى قَالَ: سَأَلْتُ رَبِيعَةَ كَمْ أَقَلَّ الصَّدَاقِ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ فَقُلْت: وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ نِصْفَ دِرْهَمٍ قُلْت: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قَالَ: لَوْ كَانَ قَبْضَةَ حِنْطَةٍ أَوْ حَبَّةَ حِنْطَةٍ قَالَ: فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَبَرٌ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ رَبِيعَةَ وَهَذَا عِنْدَكُمْ كَالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ سَأَلْت الدَّرَاوَرْدِيَّ هَلْ قَالَ أَحَدٌ بِالْمَدِينَةِ لَا يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا عَلِمْت أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَ مَالِكٍ وَقَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ: أَرَاهُ أَخَذَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَقَدْ فَهِمْت مَا ذَكَرْت وَمَا كُنْت أَذْهَبُ فِي الْعِلْمِ إلَّا إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا عَلِمْت أَحَدًا انْتَحَلَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَشَدَّ خِلَافًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْكُمْ وَلَوْ شِئْت أَنْ أَعُدَّ عَلَيْكُمْ مَا أَمْلَأُ بِهِ وَرِقًا كَثِيرًا مِمَّا خَالَفْتُمْ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ وَفِيمَا ذَكَرْت لَك مَا دَلَّك عَلَى مَا وَرَاءَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: إنَّ لَنَا كِتَابًا قَدْ صِرْنَا إلَى اتِّبَاعِهِ وَفِيهِ ذِكْرٌ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا وَفِيهِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَفِيهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَدْ أَوْضَحْنَا لَكُمْ مَا يَدُلُّكُمْ عَلَى أَنَّ ادِّعَاءَ الْإِجْمَاعِ بِالْمَدِينَةِ وَفِي غَيْرِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَفِي الْقَوْلِ الَّذِي ادَّعَيْتُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ اخْتِلَافٌ وَأَكْثَرُ مَا قُلْتُمْ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِنْ شِئْتُمْ مَثَّلْت لَكُمْ شَيْئًا أَجْمَعَ وَأَقْصَرَ وَأَحْرَى أَنْ تَحْفَظَهُ مِمَّا فَرَغْت مِنْهُ قُلْت: فَاذْكُرْ ذَلِكَ قَالَ: تَعْرِفُونَ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ اجْتَمَعَ النَّاسُ أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ أَحَدَ عَشَرَ لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ؟ قُلْت: نَعَمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَجَدَ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ سَجَدَ فِيهَا وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ مُرْ الْقُرَّاءَ أَنْ يَسْجُدُوا فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَأَنَّ عُمَرَ سَجَدَ فِي النَّجْمِ قُلْت: نَعَمْ وَإِنَّ عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ سَجَدَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمَنْ النَّاسُ الَّذِينَ أَجْمَعُوا عَلَى السُّجُودِ دُونَ الْمُفَصَّلِ وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى أَقَاوِيلِهِمْ مَا حَفِظْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي كِتَابِكُمْ عَنْ أَحَدٍ إلَّا سُجُودًا فِي الْمُفَصَّلِ وَلَوْ رَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَا جَازَ أَنْ يَقُولَ أَجْمَعَ النَّاسُ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ قُلْت: فَتَقُولُ أَنْتَ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ الْمُفَصَّلَ فِيهِ سُجُودٌ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ اجْتَمَعُوا وَلَكِنْ أَعْزِي ذَلِكَ إلَى مَنْ قَالَهُ وَذَلِكَ الصِّدْقُ وَلَا أَدَّعِي الْإِجْمَاعَ إلَّا حَيْثُ لَا يَدْفَعُ أَحَدٌ أَنَّهُ إجْمَاعٌ أَفَتَرَى قَوْلَكُمْ اجْتَمَعَ النَّاسُ أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ لَكُمْ أَبَدًا قُلْت: فَعَلَى أَيْ شَيْءٍ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ؟ قَالَ: عَلَى أَنَّ فِي الْمُفَصَّلِ سُجُودًا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَهُمْ يَرْوُونَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَهَذَا مِمَّا أُدْخِلُ فِي قَوْلِهِ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِأَنَّكُمْ لَا تَعُدُّونَ فِي الْحَجِّ إلَّا سَجْدَةً وَتَزْعُمُونَ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فَأَيُّ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا سَجَدَا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ أَوَتَعْرِفُونَ أَنَّكُمْ احْتَجَجْتُمْ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَقَدْ احْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَقُلْتُمْ: أَرَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ الْحَقَّ أَلَيْسَ يَحْلِفُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ وَأَخَذَ حَقَّهُ وَقُلْتُمْ: هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَإِذَا أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقِرَّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَأَنَّهُ لَيَكْتَفِي مِنْ هَذَا بِثُبُوتِ السُّنَّةِ وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ.
فَهَذَا تِبْيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: بَلَى وَهَكَذَا نَقُولُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَفَتَعْرِفُونَ الَّذِينَ خَالَفُوكُمْ فِي الْيُمْنِ مَعَ الشَّاهِدِ يَقُولُونَ بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute