للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد لبثت يابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم ما لي طعام إلَّا ماء زمزم. فسمنت حتى تكسرت عكني وما وجدت على كبدي سخفة (١) جوع.

فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان (٢) جاءت امرأتان تطوفان وتدعوان إسافًا ونائلة (٣) فأتتا علي في طوافهما. فقلت: أنكحا أحدهما الأخر فما تناهتا، عن قولهما فأتتا علي. فقلت: هن (٤) مثل الخشبة غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان تقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارنا فاستقبلهما رسول الله وأبو بكر وهما هابطتان فقال: "ما لكما"؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: "فما قال لكما"؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.

قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر ثم طاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى. وكنت أول من حياه بتحية الإسلام. قال: "عليك ورحمة الله من أين أنت"؟ قلت: من غفار فأهوى بيده ووضع أصابعه على جبهته.

فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار فذهبت آخذ بيده فدفعني صاحبه وكان أعلم به مني.

قال: ثم رفع رأسه فقال: "متى كنت ههنا"؟ قلت: منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم قال: "فمن كان يطعمك"؟ قلت: ما كان لي طعام إلَّا ماء زمزم فسمنت وما أجد على بطني سخفة جوع. قال: "إنها مباركة إنها طعام طعم" (٥).

فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في طعامه الليلة فانطلقنا ففتح أبو بكر بابًا فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف. فكان أول طعام أكلته بها.

وأتيت رسول الله فقال: "إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل لا أراها إلَّا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم"؟.


(١) سخفة جوع: يعني رقته وهزاله. والسخف بالفتح: رقة العيش، وبالضم رقة العقل. وقيل هي الخفة التي تعتري الإنسان إذا جاع من السخف وهي الخفة في العقل وغيره.
(٢) في ليلة إضحيان: أي مضيئة مقمرة. يقال ليلة إضحيان واضحيانة والألف والنون زائدتان ..
(٣) إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا.
(٤) هن: اسم الذكر وقوله: غير أني لا أكني: أي أفصح باسمه ويصرح به.
(٥) طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>