وكان أسن من عمر بن الخطاب فكان يقول: إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عمر ﵁.
وقد سقنا من أخبار عمرو في المغازي وفي مسيره إلى النجاشي وفي سيرة عمر بن الخطاب وفي الحوادث وأنه افتتح إقليم مصر وولي إمرته زمن عمر وصدراً من دولة عثمان ثم أعطاه معاوية الإقليم وأطلق له مغله ست سنين لكونه قام بنصرته فلم يل مصر من جهة معاوية إلا سنتين ونيفاً ولقد خلف من الذهب قناطير مقنطرة.
وقد سقت من أخباره في "تاريخ الإسلام" جملة وطول الحافظ ابن عساكر ترجمته.
وكان من رجال قريش رأياً ودهاء وحزماً وكفاءة وبصراً بالحروب ومن أشراف ملوك العرب ومن أعيان المهاربين والله يغفر له ويعفو عنه ولولا حبه للدنيا ودخوله في أمور لصلح للخلافة فإن له سابقة ليست لمعاوية وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر لبصره بالأمور ودهائه.
ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب عن حبيب بن أوس قال حدثني عمرو بن العاص قال: لما انصرفنا من الخندق جمعت رجالاً من قريش فقلت والله إن أمر محمد يعلو علواً منكراً والله ما يقوم له شيء وقد رأيت رأياً قالوا: وما هو؟ قلت أن نلحق بالنجاشي على حاميتنا فإن ظفر قومنا فنحن من قد عرفوا نرجع إليهم وإن يظهر محمد فنكون تحت يدي النجاشي أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد قالوا أصبت قلت فابتاعوا له هدايا وكان من أعجب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدماً كثيراً وقدمنا عليه فوافقنا عنده عمرو بن أمية الضمري قد بعثه النبي ﷺ في أمر جعفر وأصحابه فلما رأيته قلت لعلي أقتله وأدخلت الهدايا فقال مرحباً وأهلاً بصديقي وعجب بالهدية فقلت أيها الملك! إني رأيت رسول محمد عندك وهو رجل قد وترنا وقتل أشرافنا فأعطنيه أضرب عنقه فغضب وضرب أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض دخلت فيها وقلت لو ظننت أنك تكره هذا لم أسألكه فقال: سألتني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس (٤٦٩) الذي كان يأتي موسى الأكبر تقتله؟! فقلت وإن ذاك لكذلك؟ قال نعم والله إني لك ناصح فاتبعه فوالله
(٤٦٩) الناموس: صاحبُ سرِّ الخير، والجاسوس صاحب سرِّ الشَّرَّ، وأراد به جبريل ﵇ -لأن لله- تعالى خصَّهُ بالوحى وَالغيب اللذين لا يطَّلع عليهما غيره. ومنه حديث ورقة: "لئن كان ما تقولين حقًا فانه ليأتيه الناموس الذي كان يأتى موسى، ﵇.