للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بحين رجوع، وحرَّضوه، فقال حسين لأصحابه: قد ترون ما أتانا، وما أرى القوم إلَّا سيخذلوننا، فمن أحبَّ أن يرجع فليرجع، فانصرف عنه قوم.

وأما عبيد الله فجمع المقاتلة، وبذل لهم المال، وجهَّز عمر بن سعد في أربعة آلاف، فأبى وكره قتال الحسين، فقال: لئن لم تسر إليه لأعزلنَّك، ولأهدمنّ دارك، وأضرب عنقك، وكان الحسين في خمسين رجلًا؛ منهم تسعة عشر من أهل بيته، وقال الحسين: يا هؤلاء! دعونا نرجع من حيث جئنا، قالوا: لا. وبلغ ذلك عبيد الله، فهَمَّ أن يخلي عنه، وقال: والله ما عرض لشيء من عملي، وما أراني إلَّا مخل سبيله يذهب حيث يشاء، فقال شمر: إن فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبدًا، فكتب إلى عمر:

الآن حيث تعلقته حبالنا … يرجو النجاة ولات حين مناص

فناهضه، وقال لشمر: سر، فإن قاتل عمر وإلا فاقتله، وأنت على الناس، وضبط عبيد الله الجسر، فمنع من يجوزه لما بلغه أن ناسًا يتسللون إلى الحسين.

قال: فركب العسكر وحسين جالس، فراهم مقبلين، فقال لأخيه عباس: القهم، فسلهم ما لهم? فسألهم، قالوا: أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك النزول على حكمه أو نناجزك، قال: انصرفوا عنَّا العشية حتى ننظر الليلة، فانصرفوا.

وجمع حسين أصحابه ليلة عاشوراء، فحمد الله وقال: إني لا أحسب القوم إلَّا مقاتليكم غدًا، وقد أذنت لكم جميعًا، فأنتم في حِلٍّ مني، وهذا الليل قد غشيكم، فمن كانت له قوة فليضمَّ إليه رجلًا من أهل بيتي، وتفرقوا في سوادكم، فإنهم إنما يطلبونني، فإذا رأوني لهوا عن طلبكم، فقال أهل بيته: لا أبقانا الله بعدك، والله لا نفارقك، وقال أصحابه كذلك.

الثوري، عن أبي الجحاف، عن أبيه، أن رجلًا قال للحسين: إن عليَّ دينًا. قال: لا يقاتل معي من عليه دين.

رجع الحديث إلى الأول:

فلما أصبحوا قال الحسين: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، وقال لعمر وجنده: لا تعجلوا، والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بأن السنة قد أميتت، والنفاق قد نجم، والحدود قد عطلت، فاقدم، لعلَّ الله يصلح بك الأمة، فأتيت، فإذا كرهتم ذلك فأنا راجع، فارجعوا

<<  <  ج: ص:  >  >>