وألحَّ، فأعطاه الدرهم، وملأ الجراب نشارة من تراب، وأتى وقَلْبُه مرعوب منها، وذهب ففتحه، فلمَّا جاء ليلًا وضعته، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الدقيق، فأكل وبكى.
أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، أنَّ أبا مسلم استبطأ خبر جيش كان بأرض الروم، فدخل طائر فوقع، فقال: أنا رتبابيل مسلي الحزن من صدور المؤمنين، فأخبره خبر الجيش، فقال: ما جئت حتى استبطأتك?
قال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو مسلم يرتجز يوم صفين، ويقول:
ما علَّتي ما علَّتي … وقد لبست دِرعَتي
أموت عند طاعتي
وقيل: إنَّ أبا مسلم قام إلى معاوية فوعظه، وقال: إياك أن تميل على قبيلة، فيذهب حيفك بعدلك.
وروى أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: دخل أبو مسلم على معاوية، فقام بين السماطين، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: مه، قال: دعوه، فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم، ثمَّ وعظه وحثَّه على العدل.
وقال شرحبيل بن مسلم: كان الولاة يَتَيَمَّنون بأبي مسلم، ويؤمِّرونه على المقدمات.
قال سعيد بن عبد العزيز: مات أبو مسلم بأرض الروم، وكان شتا مع بسر بن أبي أرطاة، فأدركه أجله، فعاده بسر، فقال له أبو مسلم: يا بسر، اعقد لي على من مات في هذه الغزاة، فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم.
قال أحمد بن حنبل: حدثنا عن محمد بن شعيب، عن بعض المشيخة قال: أقبلنا من أرض الروم، فمررنا بالعمير على أربعة أميال من حمص، في آخر الليل، فاطَّلع راهب من صومعة، فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني؟ قلنا: نعم، قال: إذا أتيتموه فأقرءوه السلام، فإنا نجده في الكتب رفيق عيسى ابن مريم، أما إنكم لا تجدونه حيًّا. قال: فلما أشرفنا على الغوطة بلغنا موته.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر -يعني: سمعوا ذلك، وكانت وفاته بأرض الروم.
وروى إسماعيل بن عيَّاش، عن شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانئ قال: قال معاوية: إنما المصيبة كل مصيبة بموت أبي مسلم الخولاني، وكُرَيْب بن سيف الأنصاري.
إسناده صالح، فعلى هذا يكون أبو مسلم مات قبل معاوية، إلَّا أن يكون هذا هو معاوية بن يزيد.
وقد قال المفضَّل بن غسَّان الغلابي: إنَّ علقمة وأبا مسلم ماتا في سنة اثنتين وستين، فالله أعلم، وبداريَّا قبر يزار يقال: إنه قبر أبي مسلم الخولاني، وذلك محتمل.